شيءٍ آخر ، فهو الواجب الغيري ، وإنْ لم يكن ذلك هو الداعي لإيجابه فهو الواجب النفسي ، وهذا الواجب منه ما يكون مطلوباً لذاته ، وهو معرفة الله ، فإنّها واجبة ومطلوبيتها ذاتيّة ، ومنه ما يكون مطلوباً وليست مطلوبيّته للوصول إلى واجب آخر ، بل من أجل حصول غرضٍ يترتّب عليه ، والعبادات أكثرها من هذا القبيل ، وكذا التوصّليات كلّها ... لأنّ الأغراض ليست بواجبات.
وأورد على الشيخ : بأنّ المفروض كون وجوب الصلاة ـ مثلاً ـ ناشئاً من الغرض ، فهو الداعي لإيجابها ، وحينئذٍ ، فلا بدّ وأنْ يكون الغرض الداعي لزوميّاً وإلاّ لم يصلح لأنْ يكون علّةً لجعل الطلب الوجوبي ، وإذا كان لزوميّاً كانت الواجبات ـ غير معرفة الله ـ واجبةً لواجبٍ آخر ، فيعود الإشكال.
وقد أُجيب عن الإشكال : بأن الأغراض ليست بواجبة ، لكونها غير مقدورة للمكلّف ، وكلّ ما ليس بمقدورٍ فلا يتعلّق به الوجوب.
واعترضه صاحب (الكفاية) وتبعه السيّد الأُستاذ (١) : بأنّها وإنْ كانت غير مقدورة ، إلاّ أنّها مقدورة بالواسطة ، وهي الواجبات الناشئة عنها ، فلمّا كان الأمر الواجب مقدوراً للمكلّف فالغرض الداعي لإيجابه مقدور ، ولا يعتبر في المقدوريّة أنْ تكون بلا واسطة ، فالطهارة مقدورة على سببها وهو الوضوء ، والمكليّة مقدورة للقدرة على سببها وهو العقد ، وكذلك العتق مثلاً وهو الإيقاع.
فقال شيخنا : لكنّ هذا إنّما يتمُّ في مورد الأسباب التوليديّة كما مثّل ، إذ لا يوجد فيها إلاّ واجب واحد ، فلا يوجد أمرٌ بالطهارة وأمر آخر بالوضوء ، بل هو أمر بالطهارة ، وهو المحرّك للعبد نحو السبب التوليدي لها وهو الوضوء مثلاً ، وللمستشكل على الشيخ بأن الأغراض غير مقدورة أن يطرح الاشكال حيث
__________________
(١) كفاية الأُصول : ١٠٨ ، منتقى الأُصول ٢ : ٢١٢.