ما يعتبر فيه ذلك ، وتتحقّق الثمرة بين القولين فيما لو أمر بإنقاذ الغريق وتوقف ذلك على التصرّف في ملك الغير ، فيقول الشيخ : بأنّه لو تصرّف بداعي إنقاذ الغريق فلا حرمة ، لأنّ متعلّق الوجوب هو التصرّف بداعي التوصّل به إلى الإنقاذ ، ولمّا كان الإنقاذ أهمّ فلا تبقى الحرمة ، أمّا لو تصرّف لا بداعي التوصّل به للإنقاذ فالحرمة باقية وإن حصل الإنقاذ.
وقد تصدّى المحقّق الاصفهاني (١) لتوجيه كلام الشيخ بما تقريبه :
١ ـ إنّ الأحكام العقليّة منها نظريّة ومنها عمليّة ، فمن أحكام العقل النظري : استحالة اجتماع النقيضين وارتفاعهما ، بل هذا هو أُمّ القضايا فيها. ومن أحكام العقل العملي : حسن العدل وقبح الظلم ، بل هذا هو أُمّ القضايا فيها.
أمّا الأحكام الشرعيّة ، فإنّ الغايات منها ـ وهي متأخّرة وجوداً ومتقدّمة في اللّحاظ ـ هي العلل لجعل تلك الأحكام ، فالحكم يتوجّه إلى ذات العمل وليس في متعلّقه قيد «كونه ذا مصلحة» بل إنّ كونه كذلك علّة للحكم ، فالمصلحة المترتّبة على العمل خارجاً متأخّرة عن العمل ، لكنّها في الحقيقة هي العلّة للحكم ، بخلاف الأحكام العقليّة ـ مطلقاً ـ فإنّ متعلّق الحكم فيها هو المصلحة وهي الموضوع ، فنقول في الأحكام الشرعيّة : هذا واجب لأنّه ذو مصلحة. وفي الأحكام العقليّة نقول : ذو المصلحة واجب ، فيكون اللزوم والوجوب متعلّقاً ب «ذو المصلحة» وهو الموضوع للحكم ... فالعقل يدرك استحالة الدور ـ في الأحكام الشرعيّة ـ وهذه الكبرى تطبّق على مواردها ، مثل ما تقدّم في محلّه : من أنّ أخذ قصد الأمر في المتعلّق محال ... فهو لا يدرك استحالة أخذه كذلك ، بل
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ / ١١٣ ـ ١٣٤.