تنبيهات الترتب
التنبيه الأول
(في تسرية كاشف الغطاء الترتّب إلى الجهر والإخفات)
وقبل الورود في البحث نذكّر بمطلبين :
الأول : إنه بعد الفراغ من إمكان الترتّب لا تبقى حاجة إلى بيان وقوعه ، لكفاية الإمكان ، لأنه بعد رفع اليد عن إطلاق أحد الدليلين وهو المهم وتقييده بعصيان الآخر وهو الأهم ، يكون المقتضي لوجوب المهم موجوداً والمانع مفقوداً ، كسائر الموارد.
والثاني : إن التضاد الواقع بين متعلّقي الدليلين في سائر موارد الترتّب هو تضاد اتّفاقي وليس بدائمي ، لأنه يكون ـ مثلاً ـ على أثر العجز عن امتثال الأمرين كإنقاذ الغريقين حيث لا قدرة ـ غالباً ـ إلاّ على أحدهما ... ولكنّ مسألة الجهر والإخفات ليست من هذا القبيل ، فالتضادّ بينهما دائمي ، فيقع البحث عن معقوليّة الترتّب في مثلها ... وتصوير ذلك هو :
إن الجاهل المقصّر يستحق العقاب بلا كلام ، وعباداته محكومة بالبطلان ، فإن انكشف وقوع العمل على خلاف الواقع فهو غير مجزٍ ، وعدم الإجزاء حينئذٍ واقعي ، وإن لم ينكشف ذلك كان غير مجزٍ ظاهراً ، حتى يتبيّن مطابقة عمله للواقع وعدمها ، إن تمشّى منه قصد القربة في هذه الحالة.
لكنهم حكموا بالإجزاء في موردين ، أحدهما : الجهر والإخفات ، والآخر : القصر والتمام ، لوجود النصوص بإجزاء الإخفات فيما ينبغي الجهر فيه وبالعكس ، ومع ذلك حكموا باستحقاقه العقاب للتقصير ، فوقع البحث بينهم في كيفية الجمع بين الإجزاء واستحقاق العقاب ، وذكروا لذلك وجوهاً.