وبعد الفراغ عن بحث مقدميّة عدم الضدّ لوجود الضدّ الآخر ، تصل النوبة إلى البحث عن الطريق الآخر لدلالة الأمر بالشيء على النهي عن ضدّه الخاص ، وهو طريق الملازمة ، وتوضيحه :
إنّ وجود كلّ ضدٍّ من الضدّين ملازم لعدم الضدّ الآخر ، فوجود الحركة ملازم لعدم السكون ، ووجود البياض ملازم لعدم السّواد ، وهذه هي الصغرى وتنطبق عليها كبرى أنّ المتلازمين يستحيل اختلافهما في الحكم ، فإذا كانت الحركة واجبةً كان عدم السكون واجباً.
أمّا أنّ وجود الضدّ ملازم لعدم الضدّ الآخر ، فلأنّه لو جاز وجود الضدّ الآخر لزم اجتماع الضدّين ، وهو محال. وأيضاً : لو جاز ـ مع وجود أحدهما ـ عدم انعدام الآخر ، لزم اجتماع النقيضين ، وهو محال.
وأمّا أنّهما متوافقان في الحكم ، فلأنّ المفروض أنْ يكون لكل من المتلازمين حكم ، فلو كان أحدهما واجباً وخالفه الآخر في الحكم ، فإمّا أنْ يكون حكمه هو الحرمة فيلزم طلب المتناقضين ، والتكليف المحال ـ فضلاً عن التكليف بالمحال ـ ، وامّا أن يكون حكمه الاستحباب أو الكراهة أو الإباحة ، وهذا محال كذلك ، لأنّه لمّا كان حكم أحدهما الوجوب فالشارع غير مرخّص في تركه ، والعقل حاكم بلابدّيته ، لكنّ الآخر الذي فرض حكمه أحد الأحكام الثلاثة المذكورة ، فهو مرخّص شرعاً في تركه والعقل حاكم بجواز الترك ، فيلزم التناقض في حكم العقل ، بأنْ يحكم بلابدّية الحركة ويجوّز السكون في نفس الوقت ، وهذا محال ... إذن ... لا بدّ وأن يكون المتلازمان متوافقين في الحكم.