إنّ لكلّ معلولٍ وأثر ومقتضى وجوداً فعليّاً ووجوداً بالقوّة ، فإنْ وجد المؤثّر والعلّة والمقتضي حصل له الوجود الفعلي ، والتمانع بين الضدّين إنّما يكون في الوجود الفعلي لهما لا بالوجود بالقوّة ، إذ التضادّ هو بين البياض والسّواد لا بين المقتضي للبياض والمقتضي للسّواد ، وهذه الحقيقة جارية في جميع العلل والمعاليل الطبيعيّة ، أي : إنّ الآثار والمعاليل كلّها موجودة بوجود العلل والمؤثرات الطبيعية ، مترشّحة عنها ، اللهم إلاّ المخلوق بالإرادة ، إذ يقول تعالى (إِذا أَرادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١).
وتلخّص : إنّه إذا تحقّق المقتضيان كان الضدّان موجودين بالقوّة ، ولا تضادّ بين الضدّين الموجودين بالقوّة ... فثبت إمكان وجود المقتضي للضدّين ... وتطبيق الميرزا الكبرى على الصغرى غير صحيح ، فالدليل الأوّل من أدلّته ساقط.
والدليل الثاني : ما تقدّم سابقاً عن المحقّق الخراساني : من أنّ ملاك مقدميّة أحد الضدّين للضدّ الآخر هو التمانع في الوجود ، وإذا كان الضدّان لا يجتمعان لما ذكر ، فالنقيضان كذلك ، فيلزم أن لا يكون النقيض مقدّمة للنقيض الآخر ، لكنّ التالي باطل فالمقدّم مثله.
وأجاب عنه الأُستاذ : بأنّ المقدميّة لا تكون إلاّ مع التعدّد في الوجود ، ولذا قلنا بأنّ أجزاء الماهيّة ليست مقدمةً لوجودها ، لأنّ الأجزاء عين الكلّ ، لكنّ المهم هو أنّه لا تعدّد في الوجود في النقيضين ، إذ العدم نقيض الوجود لكنّه عدم نفس ذلك الوجود ، وكذا العكس ، فلا يعقل أنْ يكون أحد النقيضين وهو الوجود مقدمةً لنقيضه وهو عدم الوجود ، لأنّه يستلزم صيرورة الشيء مقدّمةً لنفسه ، إذ لا تعدّد
__________________
(١) سورة يس : ٨٢.