إطلاق المادّة ـ وهو العتق مثلاً ـ هو التأكيد ، لأن الواجب الذي تعلّق به التكليف هو صرف وجود العتق ، فلمّا أعاد الأمر بلا قيد «مرة أُخرى» مثلاً ، توجّه إلى صرف الوجود كذلك ، وهو للطبيعة الواحدة لا يتعدّد ، فلو جعل الأمر الثاني تأسيسيّاً لزم ورود التكليفين على صرف الوجود ، وهو غير معقول ، إذ البعثان يستلزمان الانبعاثين ، وقد تقدم أنه لا يقبل التكرار ، والتعدّد ، فمقتضى إطلاق المادة هو التأكيد.
بخلاف إطلاق الهيئة ، وهو الوجوب ، فإن مقتضى الإطلاق الانصرافي فيه هو التأسيس ، لأنّ إنشاء الوجوب إنما يكون بداعي الطلب ، فلو كان الأمر الثاني بداعي التأكيد لاحتاج إلى قرينةٍ ، فمقتضى إطلاق الهيئة هو التأسيس.
وحينئذٍ ، يقع التمانع بين الإطلاقين ، فإن إطلاق المادّة كان الطلب تأكيدياً ، فإنْ رجّح إطلاق الهيئة كان تأسيسياً ، وإن لم يرجّح أحدهما فالكلام مجمل ، والمرجع هو الأصل العملي.
وفي (نهاية الأفكار) (١) : قد يقال بلزوم الحمل على التأكيد ، ترجيحاً لإطلاق المادّة على الهيئة ، باعتبار كونها معروضة للهيئة وفي رتبةٍ سابقة عليها ، إذ يقال حينئذٍ بجريان أصالة الإطلاق فيها في رتبة سابقة بلا معارض.
(قال) : ولكن يدفعه أن المادة كما كانت معروضةً للهيئة وفي رتبة سابقة عليها ، كذلك الهيئة أيضاً ، باعتبار كونها علّة لوجود المادّة في الخارج كانت في رتبة سابقة عليها ، فمقتضى تقدّمها الرتبي عليها حينئذٍ هو ترجيح اطلاقها على إطلاق المادّة».
__________________
(١) نهاية الأفكار (١ ـ ٢) ٤٠١.