ففيه : بعد غضّ النظر عن اختلاف كلماته في هذا المورد ، إنّ القدرة على المسبّب موجودة ، لوجود القدرة على سببها الذي هو مقدّمة وجوديّة لذي المقدّمة ، وحينئذ ، فالذي يحرم بالحرمة النفسيّة هو ذو المقدّمة ، أمّا المقدّمة فلا مفسدة ذاتية لها وإنْ كانت جزءاً أخيراً للعلّة التامّة ، فتكون محرّمةً حرمة غيريّة.
وأمّا ما ذكره في الصّورة الرابعة ـ وهي المورد الذي لا تكون المقدّمة فيه علّةً تامّةً ، وقد أتى بها بقصد التوصّل إلى الحرام فهي على القول بحرمة التجرّي حرام نفسي ، وعلى القول بعدم حرمته فهي حرامٌ حرمةً غيرية ـ ففيه :
أمّا التجرّي ، فلا حرمة شرعيّة له ، وإنّما يستتبع استحقاق العقاب بمناط أنّه خروج على المولى. وأمّا القول بالحرمة الغيريّة بناءً على عدم حرمة التجرّي ، فالمفروض هنا هو القدرة على ترك الحرام مع الإتيان بالمقدّمة ، فلا يتحقّق مناط الحرمة الغيريّة وهو التوقّف أو المقدميّة.
وأمّا ما ذكره في الصّورة الخامسة ـ من عدم حرمة المقدّمة ، إنْ لم تكن علةً تامةً ولم يؤت بها بقصد التوصّل للحرام ـ فتام بلا كلام.
فالحق في المسألة
هو التفصيل بين مقدّمة الواجب ـ بناءً على القول بوجوبها ـ ومقدّمة الحرام ، فإن مقدّمات الواجب تتّصف كلّها بالوجوب ، لواجدية كلّ واحدة منها لملاك الوجوب الغيري ، وهو توقف ذي المقدّمة عليها ، بخلاف مقدّمة الحرام ، فإنّ ذا المقدّمة إنّما يتحقّق بتحقّق المقدّمة الأخيرة ، وأمّا غيرها من المقدّمات فلا أثر لها ، لأنّ ملاك المقدمية غير متوفّر إلاّ في الأخيرة ، فتكون هي وحدها المحرّمة بالحرمة الغيريّة ، بناءً على ثبوت الملازمة.
هذا تمام الكلام في مبحث المقدّمة بجميع أقسامها.
ويقع الكلام في مبحث الضد.