ثمّ بالغوا في إنكار المعاد بقولهم : ﴿إِنْ﴾ الحياة وما ﴿هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا﴾ يعني ﴿نَمُوتُ﴾ فيها ونفنى ، ولا حياة بعدها وتولد ﴿وَنَحْيا﴾ ونعيش فيها مدّة معيّنة ﴿وَما نَحْنُ﴾ بعد هذه الحياة والموت ﴿بِمَبْعُوثِينَ﴾ ومنشرين من القبور ، كما يزعم هذا الرّجل ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى﴾ واخترع ﴿عَلَى اللهِ كَذِباً﴾ صريحا في ما يدّعيه من إرساله إلينا وبعثكم بعد الموت ﴿وَما نَحْنُ لَهُ﴾ في ما يقول ﴿بِمُؤْمِنِينَ﴾ ومصدّقين ، فلمّا يئس هود أو صالح من إيمانهم ﴿قالَ رَبِّ انْصُرْنِي﴾ على قومي ﴿بِما كَذَّبُونِ﴾ ونسبوني إلى الفرية ﴿قالَ﴾ تعالى إجابة لدعائه : إعلم أنّ قومك ﴿عَمَّا قَلِيلٍ﴾ من الزّمان وفي أسرع الوقت ، والله ﴿لَيُصْبِحُنَ﴾ وليصيرنّ ﴿نادِمِينَ﴾ على كفرهم وتكذيبهم بمعاينة العذاب ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ التي صاح بها جبرئيل من السّماء ، على ما قيل (١)﴿بِالْحَقِ﴾ والعدل ، أو بغير دافع ، فتصدّعت بها قلوبهم.
وعن ابن عباس : الصّيحة هي الرّجفة ، وقيل : هي نفس العذاب والموت ، كما يقال في من يموت : إنّه دعي فأجاب (٢) . وقيل : هي العذاب المصطلم (٢) .
﴿فَجَعَلْناهُمْ﴾ وصيّرناهم بتلك الصّيحة ﴿غُثاءً﴾ ومثل حميل سيل من الزّبد والحشائش البالية المسودّة في تبدّد الأجزاء وبلاها.
عن الباقر عليهالسلام « ألغثاء : اليابس الهامد من نبات الأرض » (٣) . وقيل : إنّه كناية عن هلاكهم ؛ لأنّ العرب تقول لمن هلك : سال به الوادي (٤) . ﴿فَبُعْداً﴾ من الخيرات ، ولعنا دائما ، أو سحقا وهلاكا ﴿لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.﴾
﴿ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ * ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ
* ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً
وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ * ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ
بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ * إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ *
فَقالُوا أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ
الْمُهْلَكِينَ (٤٢) و (٤٨)﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٣ : ٩٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠٠.
(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ٩٩.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٩١ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠٠.
(٤) تفسير البيضاوي ٢ : ١٠٤ ، تفسير روح البيان ٦ : ٨٣.