الجمع .. إلى ضمير المفرد الغائب ..
فقد قال تعالى أولا : «شئنا». «بدّلنا». «شددنا». ثم قال هنا : «إلى ربّه» .. ولم يقل : «إلينا» ..
ولعل سر ذلك هو أنه حين كان يتكلم عن التصرف الإلهي ، فإن المناسب هو الإشارة إلى مقام العزة والعظمة ، وإلى التدبير من موقع الربوبية ووسائله وأدواته على قاعدة : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (١) ، التي هي بيده ، وطوع إرادته ..
وأما حين أراد أن يتكلم عن العبد في مسيره إلى ربه ، فقد كان لا بدّ من الإتيان بصيغة المفرد ، ليكون التوجه إليه هو تعالى دون سواه .. ولأن هذا المسير إنما يعني نفس العبد ، وذاته كشخص ، ويريد له أن يستفيد من هذا المسير في صناعة خصائصه وشخصيته ، وتأهيله لكرامة الله ، والحصول على السعادة في الدنيا ، والنجاة في الآخرة .. وهذا لا يناسب أن يتحدث عنه ضمن مجموعة أخرى ..
ولأجل ذلك خاطبه كفرد وقال : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ) .. ولم يقل : «فمن شاؤا اتخذوا إلى ربهم» ..
أضف إلى ذلك : أن الفرد حين ينال ميزاته كإنسان ، لا تبقى للميزات الفردية تلك القيمة الكبيرة ، بل تتساقط الميزات والحدود ، ويتضاءل تأثيرها ، ويضعف ظهورها .. ويصبح الفرد بذلك أكثر اندماجا في الآخرين ، ولهذا البحث مجال آخر ..
١٠ ـ وهناك نقطة أخرى تحسن الإشارة إليها ، وهي أنه تعالى قد
__________________
(١) سورة النازعات الآية ٥.