«فِي رَحْمَتِهِ» :
١ ـ وقد نسب الله إدخالهم في رحمته إلى نفسه ، ليبين أن عملهم مهما بلغ ، فإنه لا يجعل لهم استحقاقا واقعيا أصيلا ، بسبب مملوكيتهم التي أشرنا إليها .. فإذا تفضل الله عليهم ، بجعل المثوبة لهم ، فإنهم يكتسبون هذا الاستحقاق بذلك التفضل ، فالاستحقاق مرتكز إلى ذلك الجعل ، والقرار الناشئ عن الحكمة والتفضل الإلهي ، ومعتمد عليه ..
٢ ـ ولم تذكر الآية الدخول إلى الجنة ، بل ذكرت أنه تعالى يدخلهم في رحمته.
ولعل ذلك لإفهامنا : أن جميع ما ذكر في هذه السورة من خلق ، ورزق ، وتشريعات ، وذكر ، ورعاية ، وهدايات ، وإفاضات متوالية ، ما هو إلا تفضلات ونعم منه تعالى. وأن جعل الجزاء ، وإن كان يستتبع استحقاقا بدرجة ما ، ولكن تبقى مقادير هذا الجزاء ، في دائرة التفضلات الإلهية أيضا ، إذ لو أردنا أن نقيس عملنا إلى كل تلك النعم والفيوضات ، فإنه مهما بلغ من الصفاء والصلاح لا يفي ولو بنفس واحد نتنفسه ، فضلا عن أن يتوهم أحد أننا نستحق عليه أي جزاء ، فكيف بجنات عدن ، التي وعد الله بها المتقين.
وذلك معناه : أن أي عطاء منه لنا إنما هو برحمة منه سبحانه ، لا باستحقاق منا له ، رغم أنه قد جعل الحسنة بعشر أمثالها ، بل جعلها : (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) (١) ..
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٢٦١.