أو أنه أراد بالنعيم أولا المعنى العام ، ثم ذكر النعيم الإدراكي ، بقوله : (وَمُلْكاً كَبِيراً) ثم عاد فذكر النعيم الحسي في قوله : (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ) كما سنرى ..
«كبيرا» :
ثم إنه تعالى قد وصف ملك الأبرار بأنه كبير ، ولم يصفه بالعظيم ، ولا بالواسع ، أو نحوه ..
ولعل ذلك يعود إلى أن كلمة «كبيرا» تختزن معنى العظمة ، ومعنى السعة أيضا ، ولا يريد الله سبحانه بالملك خصوص معنى السلطة والحاكمية ، بل هو يقصد الواجدية لكل ما لو فقده الأبرار لأحسّوا بالحاجة إليه ، أو لظهر لديهم حنين إليه ، إنه يتحدث عن الواجدية بمختلف معانيها ، ومفرداتها التي تناسب حال الأبرار ، ومنها ملك المال ، والمقام ، والسلطة ، وغير ذلك من مزايا ..
ومعنى ذلك : أن كلمة عظيم ، لا تفيد معنى السعة والشمول.
وكلمة واسع قد تنصرف ، إلى مساحة رقعة السلطان. فلا تشمل حتى معنى العظمة أيضا ، فكان التعبير الأدق والأصح ، والمناسب والجامع لسائر المعاني التي يراد التعبير عنها ، هو قوله : (وَمُلْكاً كَبِيراً ..)
تنوين التنكير :
وقد جاء قوله : «نعيما» و «وملكا كبيرا» منونا بتنوين التنكير ، ليفيد التعظيم ، والتكثير ، والاستمرار إلى أبعد مدى ممكن ، مفسحا بذلك المجال أمام وهم وخيال الإنسان ليذهب في كل اتجاه ، وإلى أبعد مدى .. وليفهمنا أن ما ذكرته الآيات ، لا يعدو كونه مجرد إعطاء مبدأ للتصور ، ولا يراد به بيان الحقيقة بكل تفاصيلها .. ويكون الإتيان بتنوين التنكير