فالله إذن .. قد قوّى وأحكم تكوين هذا الإنسان ، ورسم وجوده بصورة قويمة ، وربط كل جهات وجوده بضوابط وروابط صحيحة قادرة على إنشاء علاقات سليمة له بكل ما يحيط به ، وما يعنيه ، وما يطمح إليه ..
ولم يقتصر تعالى على ذكر هذا الربط والأسر وحسب ، بل هو قد تجاوز ذلك ليؤكد على قوته وإحكامه ، وفي هذا دلالة ظاهرة على أن ثمة تعمدا للتوجيه نحو المعرفة الدقيقة ، بكل تفاصيل وجود هذا الإنسان ، وتعريفه بدرجة الهيمنة عليه ، بهدف إقناعه بأن عليه أن لا يتنكّر لهذه العلاقة العميقة له مع الله سبحانه ، وأن يستفيد من التوجيه الإلهي ، الذي لا بد أن يكون أصدق توجيه؟! ..
كما أن عليه أن يبقى في دائرة تلك الضوابط التي جعلها الله تعالى له ، لكي تحفظه من السقوط ، وتصونه من الزلل والخطل ..
إن التخلي عن تلك الضوابط ، التي هي ضوابط وجوده كجسد ، وروح ، وشهوة ، وغريزة ، وعاطفة ، ومجتمع .. و.. و.. إن ذلك تدمير لمواقع القوة في داخل وجوده ، وتمزيق لحقيقته ، وتشويه لفطرته ، وقطع للعلاقة مع تلك الضوابط .. سيؤدي بلا ريب ، إلى الوهن والضعف ، ثم إلى التمزق والتلاشي ، بعد أن كان في غاية الإحكام والقوة ، والانشداد والضبط ..
إن سعي الإنسان للقفز فوق هذه الضوابط والنواميس ـ بدلا من الاعتراف بها ، والانقياد لها ـ لهو جريمة كبرى ، ما بعدها جريمة ، يرتكبها في حق نفسه ..
«وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً» :
ثم أشار الله تعالى إلى استمرار وثبات ، هذا التفضل الإلهي على البشر جميعا ، أفرادا وجماعات بالخلق ، وبشد الأسر ، حتى إذا أراد