هذه الوسائط إدراك المتكئ أنه قد حصل على ما يرغب في الحصول عليه ، والتفاته إلى فراغ باله منه .. ثم إرادة المتكى للاتكاء نفسه ، وكذلك إرادة أن يكون ذلك على الأرائك ، ثم إرادة أن يكون هذا الاتكاء تعبيرا عن ذلك الحصول ، وتجسيدا لفراغ البال بهذه الكيفية ، وأن يشعر بأنه يمارس حريته الفردية في الاستفادة من هذا الفراغ الحاصل ..
الجنة أولا :
ومن جهة أخرى ، فقد قدّم ذكر الجنة في الآية على ذكر الحرير .. لأن إعطاء الجنة معناه : إعطاء مختلف اللذائذ الحسية ، فضلا عن غيرها. وهي الأوضح ، والأصرح ، في النعيم ، وفي التكريم.
وتبدأ اللذة فيها بنفس اسمها حيث يشعر من يكون فيها : أنه محاط ، ومغمور بالنعيم وبالنعم ، وأن كل شيء فيها حسن جميل ، ثم هو لذيذ ومحبوب ومطلوب ..
ثم ثنّى بذكر الحرير الذي تكون لذته أيضا حسيّة ، لا يحتاج نيلها إلى أكثر من ممارستها. ولكن الحرير إنما يعبر عن نفسه ، ولا يعبر عن سائر النعم التي في الجنة ..
ثم يذكر بصورة متعاقبة تلك النعم التي يحتاج إدراكها إلى توسيط وسائط ، ويحتاج نيلها إلى حركة نحوها ، والتي هي في الحقيقة تصرفات وممارسات مختارة في تلك الجنة ..
أضف إلى ذلك : أن التنعم بالجنة إنما هو بنفس الكون فيها ، أما التنعم بالحرير ، فيحتاج إلى الالتفات ، والترجيح له ، واختياره ، وإرادة لبسه ، ثم لبسه فعلا ، وإلى التقلب فيه.
* * *