«فمن» :
١ ـ إنه أتى بفاء التفريع هنا ليفيد : أنه بعد أن أيقظ في الإنسان فطرته ، وواجهه بما يحكم عقله ، وذكّره بما هو مركوز في ضميره ، ومستقر في عمق نفسه ، فإنه يكون بذلك قد جعله أمام مسؤولياته ، ليختار مصيره ، ومسيره بنفسه ، بوعي تام ، ومع التفات واستحضار لعناصر القرار ..
وهذا التفريع بالفاء إنما هو على التذكرة بما تقتضيه الفطرة ، والعقل ، والوجدان ، ويشاهد بالعيان ، وليس تفريعا على الإخبارات التي ذكرت في الآية.
٢ ـ إنه تعالى لم يذكر هنا سوى خيار واحد ، وهو اتخاذ السبيل إلى الله سبحانه .. وهو خيار من يريد أن ينسجم مع فطرته وعقله ، وكل الواقع الذي عاشه ، ولمس الحقائق فيه ..
ذلك من جهة أن أي سبيل آخر ، سوف لا يوصل إلى هدف مقبول ، ومعقول ومرضي لأي إنسان عاقل وحكيم ، بل هو سوف ينتهي إلى ضد المراد ، حيث يؤدي حتما إلى الدمار والبوار ..
٣ ـ إنه بعد أن ذكّر الإنسان بما تقدمت الإشارة إليه أطلق له المشيئة لإتخاذ السبيل باختياره ، فقال : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) ، إذ لا موضع للإكراه ، لأنه يوجب تضييع الهدف وعدم الوصول ..
ومشيئة اتخاذ السبيل هنا تتحقق بالانقياد لأحكام العقل ، والخضوع لمقتضى الفطرة ، والتسليم لأحكام الشرع ..
وفي مقابل ذلك يكون الإخلاد إلى الأرض ، وعدم الانقياد ..
ومما يشير إلى أن اتخاذ السبيل إنما هو بالاختيار قوله تعالى : (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ) .. ويشير إليه أيضا نهيه تعالى عن إطاعة الآثم ، والكفور ،