«والظّالمين» :
قلنا : إن أصل جعل قانون المثوبة والعقوبة ، رحمة بالبشر ، وإحسان لهم ..
واللافت هنا : أنه تعالى حين أشار إلى العقوبة ، أظهر أنه لا مجال لغض النظر عنها ، ولا للتساهل فيها .. لأنها عقوبة نشأت عن الظلم ، والتمرد ، والطغيان ، والتعدي على مقام الألوهية ..
والسؤال هو : لماذا جعل الله الطرف المقابل لمن يدخلهم في رحمته ، هم الظالمون ، ولم يجعلهم الكافرين؟! ..
الجواب : لعل السبب هو : أن الله سبحانه بعد التذكرة لهم لم يترك أمرا ، يمكن الاعتذار عن مخالفته والتعدي عليه بالجهل ، أو الشبهة ، إلا وكشفه ، وبيّنه ، من خلال الهدايات التي زودهم بها ، وبذلك تصبح تعدياتهم ظاهرة في أنها تعديات على حدود الفطرة ، وانتهاك لأحكام العقل ، واعتداء على حرمات الله ، وفعل يسيء إلى مستقبلهم ، وإلى أنفسهم ، ويؤدي بها إلى المزالق والمهالك ..
وبذلك .. يكونون ظالمين أقبح الظلم ، وأسوأ الطغيان ..
وقد يحاول الإنسان أن يتجاهل مقتضيات فطرته ، وأحكام عقله ، وكل وسائل الهداية ، ويحصرها في زاوية ، ثم يسدل عليها ستار التناسي .. ولكن بعد إعادة إظهارها ، وإزالة العوائق عن مشاهدتها .. فإنه لا يعود الوقوع فيها كفرا وسترا ، بل هو محض التعدي والظلم ، والبغي ..
والتصريح بالظلم والظالمية إنما هو لأجل التنفير من هذا الأمر ، الذي تدرك قبحه كل العقول ، ويرفضه كل البشر بفطرتهم ، بسبب ما له من سلبيات واقعية ..
أما الكفر فقد يرضاه الإنسان لنفسه ، تحت ستار من الأقنعة التي