لأن فعلهم هذا يتناقض مع ما تحكم به عقولهم ، وما تقتضيه فطرتهم. فهم ينطلقون في موقفهم هذا من دواعي الشهوة ، والغريزة ، والهوى. لا من منطلق الفكر والتعقل ، وحساب العواقب ، كما أوضحه قوله تعالى :
يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ :
أي ما هو حاضر لهم من أمور تلائم الهوى والغريزة والشهوة ، ويتركون اليوم الثقيل الذي يأتي من ورائهم .. وهذا خلاف ما تقضي به عقول البشر ..
وذلك دليل واضح على عدم إمكان الأخذ بأقوالهم ، أو الاستجابة إلى طلباتهم ، فيكون هذا بمثابة التعليل لقوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ..) فإنّ نفس كونه آثما أو كفورا يستبطن عدم جواز طاعته ، بحكم العقل ، والشرع ، والوجدان ، ويدخل قوله : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) في دائرة الأوامر الإرشادية ، والقضايا التي تكون قياساتها معها. ويمكن لكل الناس أن يتخذوا منها عبرة وتوجيها ، ونهجا.
لماذا لم يأت بلام التعليل؟ :
وبعد ما تقدم نقول : إنه لا حاجة إلى الإتيان بلام التعليل بأن يقال : «لا تطع هؤلاء ؛ لأنهم يحبون العاجلة» إلخ ..
وذلك لأن الإتيان بها قد يوهم أنه تعليل للنهي عن الإطاعة ، مع أن المقصود هو بيان حقيقتهم مطلقا. وجعل المورد مصداقا لذلك البيان المطلق ..
وذلك يفيد : أن هذا هو حالهم في كل أمورهم. وأنهم يتعاملون في مختلف الموارد بمنطق الهوى ، والشهوات ، ولا يزنون الأمور بميزان صحيح. ولا يختص ذلك بمورد النهي في الآية ، ولو أنه جاء بلام التعليل