ربهم أيضا .. ولكن لم يكن المقام هناك مقام بيان من هو الساقي ، بل كان في مقام بيان إكرامهم ، بطريقة حصولهم على الشراب ، وأنهم لا يحتاجون إلى المبادرة بأنفسهم إليه ، بل سوف يكون ذلك من غيرهم ..
أما ها هنا ، فقد أراد الله سبحانه أن يقرر لهم لذة الشرف بالساقي أيضا ، وهو ربهم تبارك وتعالى .. لأنه تعالى يريد أن يعلن بأن لهم عنده أعلى درجات التكريم ، وأسمى حالات العناية بهم والرعاية لهم ، حتى أنه سبحانه هو الذي يشرفهم فيسقيهم هو الشارب الطهور ..
ثم إنه تعالى لم يقل : «أنا أسقيهم» ، بل قال : «سقاهم ربّهم» ولم يقل : سقاهم الله ، أو سقاهم إلههم ، أو الرب. ربما ليلمح إلى أن هذه النعم ، إنما تعطى إليهم بأعيانهم من موقع الربوبية التي تعني العمل من أجل المربوب ، وإظهارا للاهتمام به ، ودفعا له في صراط التكامل والتنامي ، من موقع الحكمة والمحبة له ، وبهدف ترشيده ، ونقله من حسن إلى أحسن ، ومن كمال إلى كمال أتم.
كما أن هناك عناية بإظهار أن هذه الربوبية ليست مقاما إلهيا منفصلا عنهم ، ولا هي عنوان عام لا ربط له بهم ، بل هي ربوبية لهم بصورة مباشرة ، تتجلى لهم في جميع الحالات وبصور مختلفة وحالات متعددة ، وهي تعنيهم فردا فردا ..
وهذا الشعور لذيذ للأبرار ، محبب لهم ، وهو منشأ لمشاعر مختلفة في اتجاهاتها ، ولكنها مجتمعة في ما تهيئوه من أنس ورضا ..
الشراب الطهور :
و «الطهور» من صيغ المبالغة ، والتكثير في الطاهر ، والمعنى : أنه طاهر بنفسه ، مطهر لغيره.