«لَيْلاً طَوِيلاً» :
ومما تقدم يتضح لنا بعض السبب في أنه تعالى ، قد قرّر أن يكون هذا التسبيح مستغرقا لجميع آنات الليل بما هو ممتد وطويل : (لَيْلاً طَوِيلاً) ، ليصبح كل آن منه مفعما بتنزيهه تعالى .. إذ بالليل يشعر الإنسان بضعفه ، ويشعر بحاجته إلى النوم ، وافتقاره إلى الحافظ والحامي ، وهو الله الذي : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (١).
وليس بالضرورة أن يكون هذا التسبيح عملا جوارحيا ، بل هو بالدرجة الأولى عمل جوانحيّ ، يتّصل بالمعرفة له تعالى معرفة صحيحة ، وصافية ، وخالية من أيّة شائبة ..
وهذا الصفاء لا بدّ له من ظروف وأجواء مناسبة له ، يعيش فيها الإنسان حالة التفكّر العميق ، والتأمّل الواعي .. والإدراك والشعور المتنامي به تعالى ، وهو شعور لا بد أن يبقى ويستمر محتفظا بقوته وبحيويّته .. حيث يكون الوقت المناسب لذلك هو الليل ، من حيث إنه هو الذي يهيّء لاستقرار هذا التنزيه في النفس ، ويطول مكثه في الضمير ، وفي القلب ، وفي المشاعر.
وهذه المعرفة هي الأساس لكل نعمة وتفضّل إلهي ، لأنها هي التي تنتج التقوى ، والتقوى تنتج السلوك والطاعة والالتزام. وهي التي تصنع الأحاسيس والمشاعر.
* * *
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٢٥٥.