وبذلك يكون قد أكد على التوافق والانسجام في كلا هذين الأمرين ، في مقام التأثير الفعلي في الأشياء ، فلا بد من التوجه إليه تعالى على هذا الأساس ..
«كان» :
وكلمة «كان» قد جاءت لتبين لنا أن صفتي العليمية ، والحكيمية ، ليستا عارضتين على الذات ، وقد اقتضاهما فعل بخصوصه. بل هما من الصفات التي لها ثبوت حقيقي للذات ، وهي غير مرتبطة في نشوئها وثبوتها بفعل بعينه ، أو بأمر عارض .. بل هي ثابتة له تعالى على الحقيقة ، قبل ذلك وبعده ، لأن ذلك من تجليات صفات ألوهيته تعالى.
وهذا كقوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) .. فإن الله سبحانه نور على الإطلاق ، قبل السماوات والأرض ، وبعدها .. لا أن نوريته قد اقتضتها حاجة لها كامنة في السماوات والأرض.
«عَلِيماً حَكِيماً» :
وقد جاءت كلمة «عليما» بصيغة المبالغة .. وهي مبالغة من جهتين :
إحداهما : جهة الشمول ، من حيث كثرة مفردات العلم الحاضرة لديه تعالى ، وكثرة موارده.
والثانية : من حيث إن علمه تعالى دقيق ، وعميق ، وهو علم حضوري ، تكون الحقائق حاضرة لديه تعالى ، حضورا حقيقيا فعليا .. فلا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ..
وهذه الدقة والإحاطة الحقيقية تقتضي التدبير الموافق للحكمة في
__________________
(١) سورة النور الآية ٣٥.