إستحقاق ناشئ عن التفضل :
والحقيقة هي : أن هذا الاستحقاق ناشئ عن التفضل ، وذلك ببيان : أن مالكية الله للعبد ولكل شيء ، وكون طاعة العبد إنما تتحقق بالاستفادة من نعمه وتفضلاته وفيوضاته تعالى .. ـ إن ذلك ـ يجعل تقرير أصل الثواب للعبد المملوك على أفعاله داخلا في دائرة التفضل ، فكيف إذا جعل له جزاء مضاعفا أضعافا كثيرة؟!.
ولكنه بعد أن قرر الله تعالى ذلك لعباده ومملوكيه بعنوان الجزاء ، وتفضّل عليهم بزيادة مقاديره .. وأصبح هذا قانونا إلهيا مجعولا ، فإن ذلك يدخله في دائرة الاستحقاق بعد أن لم يكن.
ولأجل ذلك لم يجز في حكم العقل أن يحرم الله سبحانه المطيع من هذا الثواب. ولو أنه كان تفضلا ، لجاز ذلك .. فكيف لو أراد أن يحرم المطيع ، ويعطي العاصي؟! فإن الأمر سيكون أشد قبحا ، وأعظم شناعة ، كما هو ظاهر لا يخفى.
وهذا من قبيل ما لو قرر رجل أن يجعل لولده جائزة إذا نجح في الامتحان ، فإذا نجح ذلك الولد ، فسيرى أن له حقا بمطالبة والده بتلك الجائزة. حتى إذا حرمه منها ، فسيجد نفسه مظلوما مهانا ، فكيف إذا حرمه منها ، وأعطاها لأخيه الراسب؟!
وبتعبير أوضح : إن إعمار الأرض ، وتحقيق الأهداف الإلهية في إيصال الإنسان إلى كماله ، يقتضي تزويده بالأدوات التي تمكنه من ذلك ، فكان أن أعطاه الله المشاعر ، والعقل ، والإرادة ، ووفر له جميع أنواع الهدايات : الإلهامية ، والحسية ، والفطرية ، والغرائزية ، والعقلية ، ثم اعتبره أهلا للخطاب الإلهي .. فجعل له قانونا ، وأكرمه ، وكلفه به .. وجعل له كيانا