كحال ذلك السجين الذي يجبر على بعض الأعمال الشاقة .. بل هو صبر وحصانة قد اختاروها أنفسهم واختاروا هم الفعل الذي ينتجها ..
ويلاحظ هنا : أنه لم يذكر للصبر أي متعلق ، ربما ليفيد أن صبرهم هذا كان شاملا ، فهو صبر على الطاعات ، فلا يملون منها ، وصبر عن المعاصي ، فلا يقربونها ، وصبر على المصائب والبلايا. وصبر على الأذى في جنب الله ، وما إلى ذلك ..
وكل صبر لهم في هذه الموارد لم يأت على أساس العجز عن اختيار الطرف الآخر ، أو الاضطرار إلى التحمل ، بل كما يضطر المحتاج لبيع ما غلا ، بثمن بخس ، من أجل سد حاجته ، بل هو صبر الاحتساب ، وهو الصبر الواعي ، الذي تنتجه إرادتهم ، ويدفعهم حبهم لله لاختياره.
إنه صبر أنتجه لهم إطعامهم الطعام للمسكين ، واليتيم ، والأسير ، على النحو الذي وصف الله ورسوله .. وينتجه لهم الوفاء بالنذر ، وينتجه أيضا خوفهم من يوم كان شره مستطيرا ..
وهذا ما يفسر لنا السبب في أنه تعالى قال : (بِما صَبَرُوا)، ولم يقل : جزاهم بصبرهم ، فإن التعبير بالمصدر قد يوحي بأن هناك أمرا أو شدة قد فرضت عليهم ، وأنهم قد تحملوها. وهذا ما ليس بمراد قطعا ..
كما أن ما ذكرناه في معنى الباء ، إذا أضيف إلى سائر ما أشرنا إليه ، يجعلنا نعرف السبب في أنه لم يقل : «على صبرهم».
لذة الاستحقاق :
ولا بد لنا هنا من بيان : أن الجزاء على عمل فيه معاناة ، وصبر ، وإحساس بالاستحقاق له لذة أخرى تضاف إلى لذة نفس العطاء ، من حيث هو عطاء ..