العاصين بالجزاء بالمثل ، لكن يبقى موضوع العفو ، أو التخفيف ، مراعاة لكثير من الأمور واردا في كثير من الموارد .. بل إن المقابلة بالمثل على نحو الدقة المتناهية قد لا تكون واردة إلا في مورد واحد ، وهو ظهور كثرة الكفر وشدته ، كما أشارت إليه الآية الكريمة التي تتحدث عن سبأ ، الذين أرسل الله عليهم سيل العرم ، حيث قال سبحانه : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (١).
ويلاحظ :
أن هذه الآية هي الوحيدة التي وردت في القرآن بصيغة «فاعل» ، للدلالة على المقابلة بين العمل الصادر منهم ، وبين الجزاء الصادر من الله سبحانه لهم. وللدلالة على وجود هتك وتعدّ على الله تعالى من قبلهم ، فناسب ذلك أن يكون في مقابله هتك لحرمتهم ومواجهه لهم بما يسوءهم وفي هذا نوع من التوسع في الإطلاق ، كما هو ظاهر ..
الثواب بالتفضل ، أم بالاستحقاق؟ :
ثم إنه لا شك في : أن التمرد على المولى يوجب العقوبة ، كما أنه بما يمثله من عدوان على نظام الحياة يوجب خللا في هذا النظام ، يستوجب العقوبة أيضا ، لأن ما يفعله الإنسان لا يقاس بحجمه المادي وحسب .. بل تلاحظ فيه الحيثيات الأخرى أيضا .. فمن كسر زجاج شباك الغير خطأ فعليه أن يعوض ما كسره ، وينتهي الأمر ، لكن من يضرب مولاه عمدا ، فإن القضية ليست مجرد ضربة بضربة. إذ يبقى موضوع هتك حرمته من حيث هو مولاه ، بدون تعويض ، كما أن الأمر بالنسبة
__________________
(١) سورة سبأ الآية ١٧.