أحدهما : ثابت ومستمر. وهو وجود الجنة ، ووجود الحرير ..
والآخر : هو حالات وتصرفات تتصرّم وتنقضي ، لأنها مرهونة بإرادة أولئك الأبرار أنفسهم ، ويتجلى ذلك في قوله : (مُتَّكِئِينَ) ، (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها) ، (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ) ، «ويسقون» ، الخ ..
فهو يذكر تصرفات وأحداثا لها بداية ونهاية ، وهي تابعة لإرادة الأبرار .. أما الجنة والحرير فليسا من هذا القبيل .. بل هما من الأمور العينية ، ولذتهما قائمة في نفس ذاتهما. وليست اللذة بالفعل وبالحدث المتصرّم.
الجنة والحرير أولا :
وقد بدأ بالحديث عن الجنة والحرير باعتبار أن إدراك الإنسان للذة الحسية أسرع من إدراكه للذة المعنوية والروحية التي تحتاج إلى وسائط. فلبس الحرير يلذ للإنسان ، لكن تذليل القطوف ، ودنو الظلال .. يحتاج إلى وسائط لوعي مفهوم التكريم فيه. وهو مفهوم لا يكفي أن يتصوره الإنسان ، بل لا بد لكي تنشرح نفسه له من أن يدرك أنه هو المقصود به ، وأن يدرك أنه لم يأت على سبيل الصدفة ، بل هو عمل مقصود لفاعله المختار.
وحين يطاف عليهم بآنية ، فعليه أن يدرك أولا وجود مخلوق يحمل آنية ، ويطوف عليه بها ، وأن يدرك أن هناك إرادة وراء ذلك التطواف بالآنية ، ثم أن يدرك أن لهذا الفعل هدفا ، وأن هذا الهدف هو تكريمه .. فهذه وسائط عديدة لا بد له أن يمر بها قبل أن تنشرح نفسه لهذا التطواف بالآنية.
والاتكاء على الأرائك أيضا يحتاج إلى وسائط لإدراك لذته .. ومن