ولكن الظاهر هو أن المراد ب «حكم ربّك» هو تكليفه لك أيّها الرسول بمهمات كبيرة وصعبة ، اقتضاها تبليغك لأحكام الله .. حيث إنك ستواجه المتاعب والنوائب ، وأعظم الأذى والمصائب ، في سبيل إبلاغ الدعوة ونشرها .. وقد فرض الله عليك القيام بهذا الواجب ، وعليك أن تصبر ، لأن هذه الدعوة تحمل معها مواجهات صعبة في كلّ اتّجاه ، إذ لا بدّ من مواجهة الطواغيت ، ومواجهة أهواء الناس وطموحاتهم الباطلة ، والوقوف في وجه انحرافاتهم ، ومواجهة النفس الأمّارة ، و.. و..
وهذا العناء العظيم ، وذلك الجهد الهائل ، وتلك المصاعب والمصائب ، تحتاج إلى التثبيت الإلهي ، وإلى أن يشعر هذا العامل بلطف الله ، ورعايته ، ومحبته ، وحنانه ، ولأجل ذلك جاء التعبير بكلمة :
«ربّك» :
فإن هذا الحكم عليك قد جاء من مقام الربوبية ، ما وافق الحكمة ، ومن موقع التدبير ، والمحبة لك ، واللطف بك ، والرضا عنك ، والحنو عليك ، والتي تريد لك التكامل في مقامات الرضا ، والانتقال من مقام إلى مقام بنفس هذا الجهد الذي تبذله ، وتلك الصعوبات التي تواجهها ..
ولذلك كلّمه تعالى بكاف الخطاب للمفرد ، من أجل المزيد من التحديد لشخص الرسول صلىاللهعليهوآله ، وبما له من حدود وميّزات فردية ، ليعرفه بعنايته المباشرة به.
وهذا الخطاب لا شك أنه لذيذ ومحبوب لنفس الرسول ، وهو يعطيها رضا ، وبهجة ، وسكونا ، وطمأنينة ، وثباتا ، وقوة ، لشعوره بأن عين الله الرؤوف به ، والعطوف عليه ترعاه ، وتلاحق كل حركاته ، وترصد جميع حالاته.