جبرية المشيئة :
وربما يثار سؤال هنا عن : أن الآية قد دلت على توقف مشيئتنا على مشيئة الله سبحانه ، فهل معنى ذلك أن الله هو الذي يخلق فينا المشيئة بصورة جبرية ، ولا يبقى لنا اختيار؟! أم أنه يخلق فينا المشيئة ، ويبقي لنا الاختيار؟!
وإذا كان ذلك لا يضر بالاختيار ، فهل الاختيار سابق على المشيئة ، أم لا حق لها؟!
أي أن الجزء الأخير من العلة ، هل هو الإرادة ، أم الاختيار؟!
وبعبارة أخرى :
قد يقال : إن مشيئة الله هي التي توجد اقتضاء التأثير في مشيئة البشر ، فليس في إرادة العبد قوة ونشاط وقابلية أبدا إلا بإرادة الله سبحانه ، فتكون كالحديد إلى جنب النار ، فإن الحديد ليس فيه قابلية الاشتعال أبدا ..
وقد يقال : إن مشيئة الله شرط لحصول ذلك التأثير ، مع توفر الاقتضاء الذاتي في المشيئة البشرية .. وقد تتصور على نحو عدم المانع ، أي أن تأثير إرادة البشر متوقف على عدم وجود مانع يمنعها ، والمانع إنما هو مشيئة الله.
والظاهر هو الأول ، أي أن المشيئة الإلهية هي التي تعطي الاقتضاء لمشيئة الإنسان ، وتوجد الطاقة لدى العبد ، وتنتج القابلية وتوجدها في مشيئته ، وتصبح هذه المشيئة والإرادة مشحونة بالقوة ، قابلة للتأثير في إنتاج الفعل الخارجي ، ولكن بشرط أن يختار العبد أن تتعلق مشيئته ، أو إرادته هو بذلك الفعل. ليكون هذا التعلق بمثابة إشارة البدء ، والمباشرة ، والحركة المؤثرة ..