وقد ذكر الحافظ ابن عساكر فى ترجمته من تاريخه أمرا عجيبا وشأنا غريبا ، حيث روى من طريق إسحاق بن يحيى الملطى عن الأوزاعى قال : أتى أبا مسلم الخولانى نفر من قومه فقالوا : يا أبا مسلم أما تشتاق إلى الحج؟ قال : بلى لو أصبت لى أصحابا ، فقالوا : نحن أصحابك قال : لستم لى بأصحاب ، إنما أصحابى قوم لا يريدون الزاد ولا المزاد ،. فقالوا : سبحان الله ، وكيف يسافر أقوام بلا زاد ولا مزاد؟ قال لهم : ألا ترون إلى الطير تغدو وتروح بلا زاد ولا مزاد والله يرزقها؟ وهى لا تبيع ولا تشترى ، ولا تحرث ولا تزرع والله يرزقها؟ قال : فقالوا : فأنا نسافر معك ، قال : فهبوا على بركة الله تعالى ، قال : فغدوا من غوطة دمشق ليس معهم زاد ولا مزاد ، فلما انتهوا إلى المنزل قالوا : يا أبا مسلم طعام لنا وعلف لدوابنا ، قال : فقال لهم : نعم ، فسجا غير بعيد فيمم مسجد أحجار فصلى فيه ركعتين ، ثم جثى على ركبتيه فقال : إلهى قد تعلم ما أخرجنى من منزلى. وإنما خرجت آمرا لك ، وقد رأيت البخيل من ولد آدم تنزل به العصابة من الناس فيوسعهم قرى وإنا أضايفك وزوارك ، فأطعمنا ، واسقنا ، واعلف دوابنا ، قال : فأتى بسفرة مدت بين أيديهم ، وجيء بجفنة من ثريد ، وجيء بقلتين من ماء ، وجيء بالعلف لا يدرون من يأتى به ، فلم تزل تلك حالهم منذ خرجوا من عند أهاليهم حتى رجعوا ، لا يتكلفون زادا ولا مزادا ، فهذه حال ولى من هذه الأمة ، نزل عليه وعلى أصحابه مائدة كل يوم مرتين مع ما يضاف إليها من الماء والعلوفة لدواب أصحابه ، وهذا اعتناء عظيم ، وإنما نال ذلك ببركة متابعته لهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم.
وأما قوله عن عيسى بن مريم عليهالسلام : إنه قال لبنى إسرائيل (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) (١) الآية ، فهذا شيء يسير على الأنبياء ، بل وعلى كثير من الأولياء ، وقد قال يوسف الصديق لذينك
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ٤٩.