وقال : يا معشر المسلمين ، هل ذهب لأحد منكم شيء فأدعو الله تعالى يرده؟.
فهذه الكرامات لهؤلاء الأولياء ، هى معجزات لرسول الله صلىاللهعليهوسلم كما تقدم تقريره ؛ لأنهم إنما نالوها ببركة متابعته ، ويمن سفارته ، إذ فيها حجة فى الدين ، أكيدة للمسلمين ، وهى مشابهة نوح عليهالسلام فى مسيره فوق الماء بالسفينة التى أمره الله تعالى بعملها ، ومعجزة موسى عليهالسلام فى فلق البحر ، وهذه فيها ما هو أعجب من ذلك ، من جهة مسيرهم على متن الماء من غير حائل ، ومن جهة أنه ماء جار والسير عليه أعجب من السير على الماء القار الّذي يجاز ، وإن كان ماء الطوفان أطم وأعظم ، فهذه خارق ، والخارق لا فرق بين قليله وكثيره ، فإن من سلك على وجه الماء الخضم الجارى العجاج فلم يبتل منه نعال خيولهم ، أو لم يصل إلى بطونها ، فلا فرق فى الخارق بين أن يكون قامة أو ألف قامة ، أو أن يكون نهرا أو بحرا ، بل كونه نهرا عجاجا كالبرق الخاطف والسيل الجارى ، أعظم وأغرب ، وكذلك بالنسبة إلى فلق البحر ، وهو جانب بحر القلزم ، حتى صار كل فرق كالطود العظيم ، أى الجبل الكبير ، فانحاز الماء يمينا وشمالا حتى بدت أرض البحر ، وأرسل الله عليها الريح حتى أيبسها ، ومشت الخيول عليها بلا انزعاج ، حتى جاوزوا عن آخرهم ، وأقبل فرعون بجنوده (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩)) (١) وذلك أنهم لما توسطوه وهموا بالخروج منه ، أمر الله البحر فارتطم عليهم فغرقوا عن آخرهم ، فلم يفلت منهم أحد ، كما لم يفقد من بنى إسرائيل واحد ، ففى ذلك آية عظيمة بل آيات معدودات ، كما بسطنا ذلك فى التفسير ولله الحمد والمنة.
والمقصود أن ما ذكرناه من قصة العلاء بن الحضرمى ، وأبى عبد الله الثقفى ، وأبى مسلم الخولانى ، من مسيرهم على تيار الماء الجارى ، فلم
__________________
(١) سورة طه ، الآيتان : ٧٨ ، ٧٩.