وقد وقع كما أخبر فإن الملأ الذين اشتوروا على ذلك لم يلبثوا بمكة بعد هجرته صلىاللهعليهوسلم إلا ريثما استقر ركابه الشريف بالمدينة وتابعه المهاجرون والأنصار ، ثم كانت وقعة بدر فقتلت تلك النفوس ، وكسرت تلك الرءوس ، وقد كان صلىاللهعليهوسلم يعلم ذلك قبل كونه من إخبار الله له بذلك ، ولهذا قال سعد ابن معاذ لأمية بن خلف : أما إنى سمعت محمداصلىاللهعليهوسلم يذكر أنه قاتلك ، فقال : أنت سمعته؟ قال : نعم ، قال : فإنه والله لا يكذب ، وسيأتى الحديث فى بابه ، وقد قدمنا أنه عليهالسلام جعل يشير لأصحابه قبل الوقعة إلى مصارع القتلى ، فما تعدى أحد منهم موضعه الّذي أشار إليه ، صلوات الله وسلامه عليه ، وقال تعالى : (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦)) (١) وهذا الوعد وقع كما أخبر به ، وذلك أنه لما غلبت فارس الروم فرح المشركون ، واغتم بذلك المؤمنون ، لأن النصارى أقرب إلى الإسلام من المجوس ، فأخبر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بأن الروم ستغلب الفرس بعد هذه المدة بسبع سنين ، وكان من أمر مراهنة الصديق رءوس المشركين على أن ذلك سيقع فى هذه المدة ، ما هو مشهور كما قررنا فى كتابنا التفسير ، فوقع الأمر كما أخبر به القرآن ، غلبت الروم فارس بعد غلبهم غلبا عظيما جدا ، وقصتهم فى ذلك يطول بسطها ، وقد شرحناها فى التفسير بما فيه الكفاية ولله الحمد والمنة ، وقال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣)) (٢) وكذلك وقع ، أظهر الله من آياته ودلائله فى أنفس البشر وفى الآفاق بما أوقعه من الناس بأعداء النبوة ، ومخالفى الشرع ممن كذب به من أهل الكتابين ، والمجوس
__________________
(١) سورة الروم ، الآيات : ١ ـ ٦.
(٢) سورة فصلت ، الآية : ٥٣.