مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) (١) الآية ، فأخبر أن جميع الخليفة لو اجتمعوا وتعاضدوا وتناصروا وتعاونوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن فى فصاحته وبلاغته ، وحلاوته وإحكام أحكامه ، وبيان حلاله وحرامه ، وغير ذلك من وجوه إعجازه ، لما استطاعوا ذلك ، ولما قدروا عليه ، ولا على عشر سور منه ، بل ولا سورة ، وأخبر أنهم لن يفعلوا ذلك أبدا ، ولن لنفى التأبيد فى المستقبل ، ومثل هذا التحدى ، وهذا القطع ، وهذا الإخبار الجازم ، لا يصدر إلا عن واثق بما يخبر به ، عالم بما يقوله ، قاطع أن أحدا لا يمكنه أن يعارضه ، ولا يأتى بمثل ما جاء به عن ربه عزوجل ، وقال تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) (٢) الآية ، وهكذا وقع سواء بسواء ، مكن الله هذا الدين وأظهره ، وأعلاه ونشره فى سائر الآفاق ، وأنفذه وأمضاه ، وقد فسر كثير من السلف هذه الآية بخلافة الصديق ، ولا شك فى دخوله فيها ، ولكن لا تختص به ، بل تعمه كما تعم غيره.
كما ثبت فى الصحيح «إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، والّذي نفسى بيده لننفقن كنوزهما فى سبيل الله» ، وقد كان ذلك فى زمن الخلفاء الثلاثة أبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم وأرضاهم ، وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)) (٣) وهكذا وقع وعم هذا الدين ، وغلب وعلا على سائر الأديان ، فى مشارق الأرض ومغاربها ، وعلت كلمته فى زمن الصحابة ومن بعدهم ، وذلت لهم سائر البلاد ، ودان لهم
__________________
(١) سورة البقرة ، الآيتان : ٢٣ ـ ٢٤.
(٢) سورة النور ، الآية : ٥٥.
(٣) سورة التوبة ، الآية : ٣٣.