فقيل : ليته لم يأمر به ، ولا نهى عن شيء فقيل : ليته لم ينه عنه ، وأحل لهم الطيبات لم يحرم منها شيئا كما حرم فى شريعة غيره ، وحرم والخبائث لم يحل منها شيئا كما استحل غيره ، وجمع محاسن ما عليه الأمم ، فلا يذكر فى التوراة والإنجيل والزبور نوع من الخبر عن الله وعن الملائكة وعن اليوم الأخر إلا وقد جاء به على أكمل وجه ، وأخبر بأشياء ليست فى الكتب وليس فى الكتب إيجاب لعدل وقضاء بفضل وندب إلى الفضائل وترغيب فى الحسنات إلا وقد جاء به وبما هو أحسن منه ، وإذا نظر اللبيب فى العبادات التى شرعها وعبادات غيره من الأمم ظهر له فضلها ورجحانها. وكذلك فى الحدود والأحكام وسائر الشرائع ، وأمته أكمل الأمم فى كل فضيلة ، وإذا قيس علمهم بعلم سائر الأمم ظهر فضل علمهم ، وإن قيس دينهم وعبادتهم وطاعتهم لله بغيرهم ظهر أنهم أدين من غيرهم ، وإذا قيس شجاعتهم وجهادهم فى سبيل الله وصبرهم على المكاره فى ذات الله ، ظهر أنهم أعظم جهادا وأشجع قلوبا ، وإذا قيس سخاؤهم وبرهم وسماحة أنفسهم بغيرهم : ظهر أنهم أسخى وأكرم من غيرهم. وهذه الفضائل به نالوها ، ومنه تعلموها ، وهو الّذي أرهم بها ، لم يكونوا قبا متبعين لكتاب جاء هو بتكميله ، كما جاء المسيح بتكميل شريعة التوراة ، فكانت فضائل أتباع المسيح وعلومهم بعضها من التوراة وبعضها من الزبور وبعضها من النبوات وبعضها من المسيح وبعضها ممن بعده من الحواريين ومن بعض الحواريين ، وقد استعانوا بكلام الفلاسفة وغيرهم حتى أدخلوا ـ لما غيروا (من) دين المسيح ـ فى دين المسيح أمورا من أمور الكفار المناقضة لدين المسيح. وأما أمة محمد صلىاللهعليهوسلم فلم يكونوا قبله يقرءون كتابا ، بل عامتهم ما آمنوا بموسى وعيسى وداود والتوراة والإنجيل والزبور إلا من جهته ، وهو الّذي أمرهم أن يؤمنوا بجميع الأنبياء ، ويقروا بجميع الكتب المنزلة من عند الله ، ونهاهم عن أن يفرقوا بين أحد من الرسل ، فقال تعالى فى الكتاب الّذي جاء به (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما