الّذي بناه إبراهيم ودعا الناس إلى حجه ، ولم يزل محجوجا من عهد إبراهيم ، مذكورا فى كتب الأنبياء بأحسن وصف. وكان صلىاللهعليهوسلم من أكمل الناس تربية ونشأة ، لم يزل معروفا بالصدق والبر (ومكارم الاخلاق) والعدل وترك الفواحش والظلم وكلّ وصف مذموم ، مشهودا له بذلك عند جميع من يعرفه قبل النبوة. ومن آمن به ومن كفر بعد النبوة ، ولا يعرف له شيء يعاب به لا فى أقواله ولا فى أفعاله ولا فى أخلاقه ، ولا جرب عليه كذبة قط ، ولا ظلم ولا فاحشة ، وقد كان صلىاللهعليهوسلم خلقه وصورته من أحسن الصور وأتمها وأجمعها للمحاسن الدالة على كماله ، وكان أميا من قوم أميين لا يعرف هو ولا هم ما يعرفه أهل الكتاب (من) التوراة والإنجيل ، ولم يقرأ شيئا من علوم الناس ، ولا جالس أهلها ، ولم يدّع نبوة إلى أن أكمل (الله) له أربعين سنة ، فأتى بأمر هو أعجب الأمور وأعظمها ، وبكلام لم يسمع الأولون والآخرون بنظيره ، وأخبر بأمر لم يكن فى بلده وقومه من يعرف مثله ، ثم اتبعه أتباع الأنبياء وهم ضعفاء الناس ، وكذبه أهل الرئاسة وعادوه ، وسعوا فى هلاكه وهلاك من اتبعه بكل طريق ، كما كان الكفار يفعلون بالأنبياء وأتباعهم ، والذين اتبعوه لم يتبعوه لرغبة ولا لرهبة فإنه لم يكن عنده مال يعطيهم ولا جهات يوليهم إياها ، ولا كان له سيف ، بل كان السيف والجاه والمال مع أعدائه وقد آذوا أتباعه بأنواع الأذى وهم صابرون محتسبون لا يرتدون عن دينهم ، لما خالط قلوبهم من حلاوة الإيمان والمعرفة ، وكانت مكة يحجها العرب من عهد إبراهيم فيجتمع فى الموسم قبائل العرب فيخرج إليهم يبلغهم الرسالة ويدعوهم إلى الله صابرا على ما يلقاه من تكذيب المكذب ، وجفاء الجافى ، وإعراض المعرض ، إلى أن اجتمع بأهل يثرب وكانوا جبران اليهود ، وقد سمعوا أخباره منهم وعرفوه فلما دعاهم علموا أنه النبي المنتظر الّذي يخبرهم به اليهود ، وكانوا سمعوا من أخباره أيضا ما عرفوا به مكانته فإن أمره كان قد انتشر وظهر فى بضع عشرة سنة ، فآمنوا به وبايعوه على هجرته وهجرة أصحابه إلى بلدهم ، وعلى الجهاد معه ، فهاجر هو ومن اتبعه إلى