كان مفتريا عليه لعاجله بالعقوبة البليغة كما تقدم بيان ذلك. وفى هذا القرآن إخبار عما وقع فى المستقبل طبق ما وقع سواء بسواء ، وكذلك فى الأحاديث حسب ما قررناه فى كتابنا التفسير وما سنذكره من الملاحم والفتن كقوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) (١) وهذه السورة من أوائل ما نزل بمكة. وكذلك قوله تعالى فى سورة اقتربت وهى مكية بلا خلاف : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦)) (٢) وقع مصداق هذه الهزيمة يوم بدر بعد ذلك. إلى أمثال هذا من الأمور البينة الواضحة ، وسيأتى فصل فيما أخبر به من الأمور التى وقعت بعده عليهالسلام طبق ما أخبر به. وفى القرآن الأحكام العادلة أمرا ونهيا ، المشتملة على الحكم البالغة التى إذا تأملها ذو الفهم والعقل الصحيح قطع بأن هذه الأحكام إنما أنزلها العالم بالخفيات ، الرحيم بعباده ، الّذي يعاملهم بلطفه ورحمته ، وإحسانه ، قال تعالى (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥)) (٣) أى صدقا فى الأخبار وعدلا فى الأوامر والنواهى ، وقال تعالى (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١)) (٤) أى : أحكمت ألفاظه وفصلت معانيه ، وقال تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) (٥) أى العلم النافع والعمل الصالح. وهكذا روى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال لكميل بن زياد : هو كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ، وحكم ما بينكم ، ونبأ ما بعدكم. وقد بسطنا هذا كله فى كتابنا التفسير بما فيه كفاية (ولله الحمد والمنة) فالقرآن العظيم معجز من وجوه كثيرة : من فصاحته ،
__________________
(١) سورة المزمل ، الآية : ٢٠.
(٢) سورة القمر ، الآيتان : ٤٥ ، ٤٦.
(٣) سورة الأنعام ، الآية : ١١٥.
(٤) سورة هود ، الآية : ١.
(٥) سورة الفتح ، الآية : ٢٨.