وقال تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (١) وهذا الكلام فيه الأخبار بأن الله شهيد على كل شيء ، وأنه تعالى أعظم الشهداء ، وهو مطلع عليّ وعليكم فيما جئتكم به عنه ، وتتضمن قوة الكلام قسما به أنه قد أرسلنى إلى الخلق لأنذرهم بهذا القرآن ، فمن بلغه منهم فهو نذير له كما قال تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧)) (٢) ففى هذا القرآن من الأخبار الصادقة عن الله وملائكته وعرشه ومخلوقاته العلوية والسفلية كالسماوات والأرضين وما بينهما وما فيهن أمور عظيمة كثيرة مبرهنة بالأدلة القطعية المرشدة إلى العلم بذلك من جهه العقل الصحيح ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (٨٩)) (٣) وقال تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ (٤٣)) (٤) وقال تعالى (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨)) (٥) وفى القرآن العظيم الأخبار عما مضى على الوجه الحق وبرهانه ما فى كتب أهل الكتاب من ذلك شاهدا له مع كونه نزل على رجل أمى لا يعرف الكتابة ولم يعان يوما من الدهر شيئا من علوم الأوائل ، ولا أخبار الماضين ، فلم يفجأ الناس إلا بوحى إليه عما كان من الأخبار النافعة ، التى ينبغى أن تذكر للاعتبار بها من أخبار الأمم مع الأنبياء ، وكان منهم من أمورهم معهم ، وكيف نجى الله المؤمنين وأهلك الكافرين ، بعبارة لا يستطيع بشر أن يأتى بمثلها أبد الآبدين ، ودهر الداهرين ، ففى مكان تقص القصة
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٩.
(٢) سورة هود ، الآية : ١٧.
(٣) سورة الإسراء ، الآية : ٨٩.
(٤) سورة العنكبوت ، الآية : ٤٣.
(٥) سورة الزمر ، الآيتان : ٢٧ ـ ٢٨.