أنّ الإله واحد ، وأنّ المتكلم بهذا الكلام إله ؛ ثبت حينئذ أنّه لا إله للعالم إلّا المتكلم بهذا الكلام ، فحينئذ يحسن منه أن يعدل من الغيبة إلى الحضور ؛ ويقول : (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ).
قوله تعالى : (فَإِيَّايَ) منصوب بفعل مضمر مقدّر بعده ، يفسره هذا الظاهر ، أي : إيّاي ارهبوا فارهبون ، وقدّره ابن عطيّة : ارهبوا إيّاي ، فارهبون.
قال أبو حيّان (١) : وهو ذهول عن القاعدة النحوية ؛ وهي أنّ المفعول إذا كان ضميرا متصلا ، والفعل متعدّ لواحد ، وجب تأخير الفعل ؛ نحو : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفاتحة : ٥] ولا يجوز أن يتقدم إلّا في ضرورة ؛ كقوله : [الرجز]
٣٣٢٠ ـ إليك حتّى بلغت إيّاكا (٢)
وقد مرّ تقريره أول البقرة.
وقد يجاب عن ابن عطيّة : بأنه لا يقبح في الأمور التقديريّة ما يقبح في اللفظيّة.
وفي قوله : «إيّاي» التفات من غيبة ؛ وهي قوله (وَقالَ اللهُ) إلى تكلم ، وهو قوله «فإيّاي» ثم التفت إلى الغيبة أيضا ، في قوله تعالى : (وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
فصل
قوله «فارهبون» يفيد الحصر ، وهو أنّه لا يرهب الخلق إلّا منه ، ثم قال : (وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
قال ابن عطية (٣) : «والواو في قوله : (وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) عاطفة على قوله (إِلهٌ واحِدٌ) ، ويجوز أن تكون واو ابتداء».
قال أبو حيّان (٤) : «ولا يقال : واو ابتداء إلّا لواو الحال ، ولا يظهر هنا الحال».
قال شهاب الدين (٥) : وقد يطلقون واو ابتداء ، ويريدون بها واو الاستئناف ؛ أي : التي لم يقصد بها عطف ولا تشريك ، وقد نصّوا على ذلك ؛ فقالوا : قد يؤتى بالواو أول الكلام ، من غير قصد إلى عطف ، واستدلوا على ذلك بإتيانهم بها في أول أشعارهم وهو كثير جدّا.
ومعنى قوله : «عاطفة على قوله : إله واحد» أي : أنها عطفت جملة على مفرد ، فيجب تأويلها بمفرد ؛ لأنها عطفت على الخبر ؛ فيكون خبرا ، ويجوز ـ على كونها عاطفة ـ أن تكون عاطفة على الجملة بأسرها ، وهي قوله تعالى : (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ).
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٨٥.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٤٠٠.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٨٦.
(٥) ينظر : الدر المصون ٤ / ٣٣٥.