يسمعون من تغيّظها وزفيرها ، كقوله : (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) [الفرقان : ١٢].
وقوله : (مُواقِعُوها) أي : مخالطوها ؛ فإنّ مخالطة الشيء لغيره ، إذا كان تامّة قويّة ، يقال لها : مواقعة.
قوله : «مصرفا» المصرف المعدل ، أي : لم يجدوا عنها معدلا.
قال الهذليّ : [الكامل]
٣٥٣٨ ـ أزهير هل عن شيبة من مصرف |
|
أم لا خلود لباذل متكلّف (١) |
والمصرف يجوز أن يكون اسم مكان ، أو زمان ، وقال أبو البقاء (٢) : «مصرفا : أي انصرافا ، ويجوز أن يكون مكانا». قال شهاب الدين : وهذا سهو ، فإنه جعل المفعل بكسر العين مصدرا لما مضارعه يفعل بالكسر من الصحيح ، وقد نصّوا على أنّ اسم مصدر هذا النوع مفتوح العين ، واسم زمانه ومكانه مكسورا ، نحو : المضرب والمضرب.
وقرأ (٣) زيد بن عليّ «مصرفا» بفتح الراء جعله مصدرا ؛ لأنه مكسور العين في المضارع ، فهو كالمضرب بمعنى الضّرب ، وليت أبا البقاء ذكر هذه القراءة ووجّهه بما ذكره قبل.
قوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) بينّا (فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ).
اعلم أن الكفّار ، لما افتخروا على فقراء المسلمين بكثرة أموالهم وأتباعهم ، وأبطل الله أقوالهم الفاسدة ، وذكر المثلين المتقدّمين ، ذكر بعده : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) وهو إشارة إلى ما سبق ، والتصريف يقتضي التكرير ، والأمر كذلك ؛ لأنه تعالى أجاب عن شبهتهم التي ذكروها من وجوه كثيرة ، والكفار مع تلك الجوابات الصّافية ، والأمثلة المطابقة لا يتركون المجادلة الباطلة ؛ فقال : (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً).
قوله : (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) : يجوز أن تكون «من كلّ» صفة لموصوف محذوف ، وهو مفعول «صرّفنا» ، أي : صرّفنا مثلا من كلّ مثل ، ويجوز أن تكون «من» مزيدة على رأي الأخفش والكوفيين.
__________________
(١) وهو أبو كبير الهذلي. ينظر : ديوان الهذليين ٢ / ١٠٤ ، والمجاز ١ / ٤٠٧ وتفسير الطبري ١ / ١٧٣ ، والكشاف ٢ / ٥٦٨ ، والماوردي ٢ / ٤٩٠ ، ومعاني القرآن للزجاج ٣ / ٢٩٦ ، وروح المعاني ١٥ / ٢٩٩ ، واللسان (صرف) والبحر المحيط ٦ / ١٣١ ، والدر المصون ٤ / ٤٦٥.
(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ١٤٠.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٦ / ١٣١ ، الدر المصون ٤ / ٤٦٥.