فصل
قال ابن الخطيب (١) : ولم أجد في القرآن ، ولا في الأخبار الصحيحة شيئا يمكن التمسّك به بهذا القول.
وروي عن عليّ (٢) : أنّه ملك له سبعون ألف وجه ، لكلّ وجه سبعون ألف لسان ، لكلّ لسان سبعون ألف لغة ، يسبّح الله تعالى بتلك اللغات ، ويخلق الله تعالى من كلّ تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة ، قالوا : ولم يخلق الله خلقا أعظم من الروح غير العرش ، ولو شاء أن يبتلع السّموات السّبع ، والأرضين السبع ، وما فيها بلقمة واحدة لفعله ، صورة خلقه على صورة الملائكة ، وصورة وجهه على صورة الآدميّين ، يقوم يوم القيامة عن يمين العرش ، وهو أقرب الخلق إلى الله عزوجل اليوم عند الحجب السّبعين ، ويقرب إلى الله يوم القيامة ، وهو يشفع لأهل التوحيد ، ولو لا أنّ بينه وبين الملائكة سترا من نور ، لاحترق أهل السموات من نوره.
فصل في ضعف هذا القول
قال ابن الخطيب (٣) : ولقائل أن يقول : هذا القول ضعيف ؛ لوجوه :
الأول : أنّ هذا التفصيل ، إذا عرفه عليّ ، فالنبي أولى بأن يعرفه ، ويخبر به ، وأيضا : فإنّ الوحي لم يكن ينزل على عليّ ؛ فهذا التفصيل ما عرفه إلا من النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ فلم ذكر النبي هذا الشّرح لعليّ ، ولم يذكره لغيره؟!.
الثاني : أنّ ذلك الملك ، إن كان حيوانا واحدا ، وعاقلا واحدا ، فلا فائدة في تكثير تلك اللغات ، وإن كان المتكلّم بكلّ لغة ملكا ؛ فهذا مجموع ملائكة.
الثالث : أنّ هذا شيء مجهول الوجود ، فكيف يسأل عنه؟ أما الروح الذي هو سبب الحياة ، فهو شيء تتوفّر دواعي العقلاء على معرفته ؛ فصرف هذا السؤال إليه أولى.
وقيل : الرّوح : عيسى ؛ فإنّه روح الله ، وكلمته ، والمعنى : أنّه ليس كما يقوله اليهود ، ولا كما يقوله النصارى.
وقال قوم : هو الرّوح المركّب في الخلق الذي يحيا به الإنسان ، وهو الأصحّ.
واختلفوا فيه ؛ فقال بعضهم : هو الدم ؛ ألا ترى [أنّ الإنسان](٤) ، إذا مات لا يفوت منه إلا الدم.
وقال قوم : هو نفس الحيوان ؛ بدليل أنّه يموت باحتباس النفس.
وقال قوم : هو عرض.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٣٣.
(٢) ينظر : تفسير البغوي (٣ / ١٣٤).
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٣٣.
(٤) فيب أ: الحيوان.