إِيَّاهُ) والمعنى أنّك بعد فراغك من برّ الوالدين يجب عليك أن تشتغل ببرّ سائر الأقارب ، الأقرب فالأقرب ، ثم بإصلاح أحوال المساكين ، وأبناء السّبيل ، واعلم أنّ قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) مجمل ، ليس فيه بيان أنّ ذلك الحقّ ما هو ، فذهب الشافعيّ ـ رضي الله عنه ـ إلى أنّه لا يجب الإنفاق إلّا على الولد والوالدين ، وقال غيره : يجب الإنفاق على المحارم بقدر الحاجة ، واتفقوا على أنّ من لم يكن من المحارم كأبناء العمّ ، فلا حقّ لهم إلّا الموادّة والمؤالفة في السّراء والضّراء ، وأما المسكين وابن السّبيل ، فتقدّم وصفهما في سورة التوبة في آية الزّكاة.
قوله تعالى : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) : التّبذير : التفريق ومنه «البذر» لأنه يفرق في الأرض للزّراعة ، قال : [الوافر]
٣٤٠٨ ـ ترائب يستضيء الحلي فيها |
|
كجمر النّار بذّر بالظّلام (١) |
ثم غلب في الإسراف في النّفقة.
قال مجاهد : لو أنفق الإنسان ماله كلّه في الحقّ ، ما كان تبذيرا (٢).
وسئل ابن مسعود عن التبذير ، فقال : إنفاق المال في غير حقّه (٣) وأنشد بعضهم : [الوافر]
٣٤٠٩ ـ ذهاب المال في حمد وأجر |
|
ذهاب لايقال له ذهاب (٤) |
وقال عثمان (٥) بن الأسود : كنت أطوف مع مجاهد حول الكعبة ، فرفع رأسه إلى أبي قبيس ، وقال : لو أنّ رجلا أنفق مثل هذا في طاعة الله ، لم يكن من المسرفين ، ولو أنفق درهما واحدا في معصية الله ، كان من المسرفين (٦).
وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ مرّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بسعد ـ رضي الله عنه ـ وهو يتوضّأ ، فقال : ما هذا السّرف يا سعد؟ فقال : أفي الوضوء سرف؟ قال : «نعم ، وإن كنت على نهر جار» (٧).
__________________
(١) ينظر : البحر ٦ / ٢٢ ، والدر المصون ٤ / ٣٨٦.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١١٢).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٦٨) والحاكم (٢ / ٣٦١) عن ابن مسعود وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره الهيثمي في «المجمع» (٧ / ٥٣) وقال : رواه الطبراني ورجاله ثقات.
والأثر ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٢٠) وزاد نسبته إلى الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري في «الأدب المفرد» وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في «الشعب».
(٤) تقدم.
(٥) في ب : عمر.
(٦) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ١٥٥).
(٧) أخرجه ابن ماجه (١ / ١٤٧) رقم (٤٢٥) ، وقال البوصيري في «الزوائد» (١ / ١٧٣) : هذا إسناد ضعيف لضعف حيي بن عبد الله وعبد الله بن لهيعة.