يعرّف الله ـ تعالى ـ عباده نعمه ، وتنبيههم على كمال قدرته وحكمته.
واحتجّوا بقول جابر ـ رضي الله عنه ـ : «نهى النبيّ صلىاللهعليهوسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخّص في لحوم الخيل» (١).
ولمّا ذكر ـ تعالى ـ أصناف الحيوانات المنتفع بها ، ذكر بعده الأشياء التي لا ينتفع غالبا بها فذكرها على سبيل الإجمال.
فقال سبحانه وتعالى : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) وذلك لأنّ أنواعها وأصنافها خارجة عن الإحصاء ؛ فذكر ذلك على سبيل الإجمال.
وروى عطاء ومقاتل والضحاك عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : «إنّ عن يمين العرش نهرا من نور مثل السّموات السّبع والبحار السّبعة والأرضين السبع يدخل فيه جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ كلّ سحر فيزداد نورا إلى نوره وجمالا إلى جماله ، ثمّ ينتفض فيخلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ من كلّ نقطة تقع من ريشه كذا وكذا ألف ملك ، يدخل منهم كلّ يوم سبعون ألفا البيت المعمور ، وفي الكعبة أيضا سبعون ألفا لا يعودون إلى يوم القيامة» (٢).
قوله : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) الآية والمعنى : إنما ذكرت هذه الدلائل وشرحتها ؛ إزاحة للعذر ؛ وإزالة للعلّة (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال : ٤٢].
قوله : (وَمِنْها جائِرٌ) الضمير يعود على السبيل ؛ لأنّها تؤنث (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) [يوسف : ١٠٨] أو لأنّها في معنى سبل ، فأنّث على معنى الجمع ، والقصد مصدر يوصف به فهو بمعنى قاصد ، يقال : سبيل قصد وقاصد ، أي : مستقيم ، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه.
وقيل : الضمير يعود على الخلائق ؛ ويؤيده قراءة (٣) عيسى ، وما في مصحف عبد الله : «ومنكم جائر» ، وقراءة (٤) عليّ : «فمنكم جائر» بالفاء.
وقيل : «أل» في «السّبيل» للعهد ؛ وعلى هذا يعود الضمير على السبيل التي تتضمنها معنى الآية ؛ لأنّه قيل : ومن السبيل فأعاد عليها ، وإن لم يجر له ذكر ؛ لأنّ مقابلها يدلّ عليها ، وأما إذا كانت «أل» للجنس فيعود على لفظها.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٩ / ٥٦٥) كتاب الذبائح والصيد : باب لحوم الخيل (٥٥٢٠) ومسلم (١٥٤١٣) كتاب الصيد والذبائح : باب في أكل لحوم الخيل حديث (٣٦ / ١٩٤١) وأبو داود (٣٧٨٨) والدارمي (٢ / ٨٧) والبيهقي (٩ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧) وأحمد (٣ / ٣٦١) والطحاوي (٢ / ٣١٨) والبغوي في «شرح السنة» (٦ / ٤٧) من طرق عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر به.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ١٨٤).
(٣) ينظر : البحر ٥ / ٤٦٣ ، والدر ٤ / ٣١٥.
(٤) ينظر : السابق.