الدليل رفع اليد عن ظهور ما دلّ على الوجوب وحمله على الاستحباب ، كذلك ناسخ الوجوب ، فإنه يزاحم المنسوخ في دلالته على الوجوب ، أي شدّة الارادة ، ويبقى دلالته على أصل الرجحان.
وقد أورد عليه المحقق العراقي (١) : بأن هذا إنما يتمّ في الدليلين المتعارضين ، كأن يقوم الدليل على الوجوب ثم يأتي دليل آخر مفاده «لا بأس بالترك» ، فبمقتضى نصوصيّة الثاني أو أقوائيّة ظهوره يتقدّم على الأوّل ، لا في دليلين أحدهما حاكم على الآخر ، لأنه لا يلحظ في الحكومة جهة النصوصيّة أو الأقوائية بل الحاكم يتقدّم على المحكوم وإن كان أضعف ظهوراً منه. وما نحن فيه من هذا القبيل ، فإنّ الدليل الناسخ ناظر إلى الدليل المنسوخ ، وهذا معيار الحكومة ، فلا يتم تنظير محلّ الكلام بالوجوب والاستحباب.
ثم قال : وبناءً على الحكومة ، وأن الحاكم يتقدّم على المحكوم وإن كان أضعف ظهوراً ، فإنّ الظهور العرفي قائم على كون الناسخ ناظراً إلى المنسوخ بجميع مراتبه لا بعضها ، وعلى هذا ، فإن المنسوخ يرتفع بتمام مدلوله ـ وهو الإرادة ـ وحينئذٍ لا يبقى شيء بعد ارتفاع الوجوب.
قال : اللهم إلاّ إذا كان الناسخ مجملاً ، فإنه يقتصر فيه على القدر المتيقّن ، وهو نسخه لمرتبة الشدّة من الإرادة ، فيبقى أصل الإرادة ، إلاّ إذا سرى إجمال الناسخ إلى المنسوخ فيسقط من الأساس.
قال الأُستاذ
ولا يرد على المحقق المذكور : أن ما ذكره إنما يتم في صورة كون الظهور ذا مراتب ، وهذا أول الكلام ، إذ لا ينبغي الاختلاف في مراتب الظهور ، وإلاّ لما أمكن
__________________
(١) نهاية الأفكار (١ ـ ٢) ٣٩١.