فكان المختار عنده جريان الإطلاق في طرفها ، فما معنى هذا الإطلاق؟
وهل هو صحيح؟
إنّ مقتضى مقدّمات الحكمة هنا عدم تقييد الوجوب وهو مفاد الهيئة لا إطلاقه ، أي : إنّها تقتضي حيثيّة عدميّة ، وليست مقتضيةً لإطلاق الوجوب بمعنى اللاّبشرطيّة ... وتوضيح ذلك :
إنّ الوجوب النفسي والغيري قسمان من الوجوب ، وقد تقدّم أنّ النفسي هو الواجب لا لواجبٍ آخر ، والغيري هو الواجب لواجبٍ آخر ، فكان أحدهما مقيّداً بأمرِ عدمي والآخر مقيّداً بأمرٍ وجودي ، فالواجب النفسي مقيَّد بعدم كونه لواجب آخر ، والغيري مقيَّد بكونه لواجبٍ آخر ... فكلاهما مقيَّد ، وكلّ قيدٍ ـ سواء كان وجودياً أو عدميّاً ـ فهو محتاج إلى بيان.
وعلى الجملة ، فكما أنّ كون الشيء «بشرط شيء» قيد له ، كذلك كونه «بشرط لا» ، ولا بدّ لكلّ قيدٍ من بيانٍ ومئونةٍ زائدة ... وهذا مقتضى القاعدة.
لكنّ هناك موارد يرى العرف فيها استغناء القيد العدمي عن البيان ، بمعنى أنّ مجرّد عدم البيان بالنسبة إلى القيد الوجودي ، يكفي لأنْ يكون بياناً على القيد العدمي ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، وذلك : لأنّ الواجب النفسي ما كان واجباً لا لواجبٍ آخر ، والغيري ما وجب لواجبٍ ، فكان الغيري مقيّداً بكونه للغير ، وحينئذ ، فلو تعلّق الطلب بشيءٍ ولم يكن معه بيانٌ لكون هذا الطلب لشيء آخر ، كان نفس عدم البيان لذلك كافياً عند أهل العرف في إفادة أنّ هذا المطلوب ليس لواجبٍ آخر ....
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ / ١٠٧.