٣٣٨٩ ـ ........... |
|
كفى الشّيب والإسلام للمرء ناهيا (١) |
وعلى هذا ؛ فكان ينبغي أن يؤنّث الفعل ؛ لتأنيث فاعله ، وإن كان مجرورا ؛ كقوله : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ) [الأنبياء : ٦] (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ) [الأنعام : ٤]. وقد يقال: إنه جاء على أحد الجائزين ؛ فإن التأنيث مجازيّ.
والثاني : أن الفاعل ضمير المخاطب ، و«كفى» على هذا اسم فعل أمر ، أي : اكتف ، وهو ضعيف ؛ لقبول «كفى» علامات الأفعال.
الثالث : أن فاعل «كفى» ضمير يعود على الاكتفاء ، وتقدّم الكلام على هذا. و«اليوم» نصب ب «كفى».
قوله : «حسيبا» فيه وجهان :
أحدهما : أنه تمييز ، قال الزمخشريّ : «وهو بمعنى حاسب ؛ كضريب القداح ؛ بمعنى ضاربها ، وصريم بمعنى صارم ، ذكرهما سيبويه (٢) ، و«على» متعلقة به من قولك : حسب عليه كذا ، ويجوز أن يكون بمعنى الكافي ووضع موضع الشّهيد ، فعدّي ب «على» لأنّ الشاهد يكفي المدّعي ما أهمّه ، فإن قلت : لم ذكر «حسيبا»؟ قلت : لأنه بمنزلة الشاهد ، والقاضي ، والأمين ، وهذه الأمور يتولّاها الرجال ؛ فكأنّه قيل : كفى بنفسك رجلا حسيبا ، ويجوز أن تتأوّل النفس بمعنى الشخص ، كما يقال : ثلاثة أنفس». قلت : ومنه قول الشاعر : [الوافر]
٣٣٩٠ ـ ثلاثة أنفس وثلاث ذود |
|
لقد جار الزّمان على عيالي (٣) |
والثاني : أنه منصوب على الحال ، وذكر لما تقدم ، وقيل : حسيب بمعنى محاسب ؛ كخليط وجليس بمعنى : مخالط ومجالس.
قال الحسن ـ رضي الله عنه ـ : «عدل ، والله ، في حقّك من جعلك حسيب نفسك»(٤).
وقال السديّ : «يقول الكافر يومئذ : إنّك قضيت أنّك لست بظلام للعبيد ، فاجعلني أحاسب نفسي فيقال له : اقرأ كتابك ، كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا» (٥).
قوله تعالى : (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١٥)
هذه الآية تدلّ على أنّ ثواب العمل الصّالح مختصّ بفاعله ، وعقاب الذنب مختصّ
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : الكتاب ٢ / ٢١٥.
(٣) تقدم.
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٠٨) والرازي في «تفسيره» (٢٠ / ١٣٥).
(٥) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ١٣٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٠٤) عن السدي وعزاه إلى ابن أبي حاتم.