فَوْقَ أَيْدِيهِمْ). وقوله تعالى (١) : (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى). وقوله تعالى (٢) : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، وغير ذلك.
والأدلة على تعذر فهم الميزان المادي عدة أمور :
الدليل الأول : ما ذكره القاضي عبد الجبار حين قال (٣) : إنه ليس هناك ثقل في الحقيقة ، لأن أعمال المكلف قد تقضت ، وهي مع ذلك عرض لا ثقل فيه. وإنما أراد بذلك رجحان طاعته على معاصيه. فتشبه بما يوزن من الأشياء الثقيلة.
أقول : نقتصر في هذا الدليل على قوله : قد تقضت. أي دخلت في الماضي ، ولا وجود لها في يوم القيامة. وسيأتي الكلام عن بقية حديثه.
وهذا في واقعه من ضيق النظر ، لأن الفاعل المختار سبحانه وتعالى له نظر إلى مجموع الأزلية والأبدية. فهو يستوي عنده الماضي والحاضر ، والمستقبل. وكله بالنسبة إليه حاضر ، يراه ويحسه ويتفاعل معه. إذن ، فليس هناك ما يكون متقضيا بالنسبة إليه ، حتى أعمال العباد.
الدليل الثاني : إن الأعمال من جنس الأعراض ، والميزان المادي لا يزن الأعراض بل يزن الأجسام والجواهر.
والصلاة مجموعة حركات وأقوال ، أي أعراض ، إذن ، فينبغي تحويلها إلى جسم ليمكن جعلها في الميزان وتأثيرها به. وهذا مستحيل لأكثر من أمر واحد :
الأمر الأول : إن الجوهر والعرض مقولتان مختلفتان متباينتان ، فلا يمكن تحول أحدهما إلى الآخر.
الأمر الثاني : أننا لو تنزلنا وقبلنا أنه صار جسما ، إلّا أنه يصدق عليه السلب. لأن الجسم ليس صلاة بل جسما جديدا في الميزان فلا ثواب ولا
__________________
(١) طه / ٥.
(٢) البقرة / ٢٥٥.
(٣) تنزيه القرآن عن المطاعن ، سورة القارعة.