ثانيا : إنه (ص) أعلى الخلق ، فيكون إدراك جهنم بالنسبة إليه بسيطا ولكن إذا تصورناه رجلا مصلحا ، وأنه مجرد بشر يوحى إليه ، إذن ، فهو لم ير الآخرة ، ولا الجنة ولا النار ، فليس عجبا أن يقول له سبحانه : (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ).
ثالثا : إن المراد بالإدراك المنفي في السياق ، ليس العلم بل الإدراك البصري الحسي. أو قل : العليّ لا الاقتضائي. فإن الاقتضائي ، وإن كان موجودا ، إلّا أن العلي أو الفعلي غير موجود ، ولا يوجد إلّا لمن يدخلها ، ويراها فعلا.
سؤال : لما ذا نسب الله تعالى النار إلى نفسه ، في قوله : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ؟).
جوابه : من عدة وجوه :
الوجه الأول : إن ذلك باعتبار أنها خلق من خلق الله سبحانه. وكل الخلق منسوب إليه تعالى. وأما الجهة الفلسفية لذلك فليس هنا محلها.
الوجه الثاني : نسبتها إليه تشريفا وتعظيما. كما نسب ذلك إلى كثير من خلقه ، في الكتاب والسنة معا ، كالروح والأمين والنبي والكليم : روح الله وأمين الله ونبي الله وكليم الله. وغير ذلك.
فهذه النسبة إلى الله مجازية ، بصفتها مطيعة لله تعالى. لأنه تعالى أمرها بالأمر التكويني ، وهي تؤدي وظيفتها على أحسن وجه بإحراق من فيها من العصاة والفسقة. فيكون تفخيمها في محله.
الوجه الثالث : إن المراد كونها في الآخرة ، لأن كل ما كان هناك فهو منسوب إليه. لأنها مجردة عن المادة. وأما في الدنيا فلا يمكن نسبتها إليه تعالى ، لأنها مادة ، وهي متدنية في سلسلة الوجود.
الوجه الرابع : إن المراد كونها عقوبة من الله سبحانه. لأنها حصلت بحكمته وعدله للمستحقين.