وهذا لا ينافي ضخامتها المعنوية وأهميتها. فتكون متحملة للكثير كالوجود نفسه ، الذي قال الفلاسفة ببساطته ، وقالوا : إن الله صرف الوجود ، وهو في نفس الوقت لا نهائي العلم.
سؤال : لما ذا خصّت البسملة بهذه الأسماء الحسنى دون غيرها؟ (١).
وجوابه : قد تحصل مما سبق. وبحسب فهمي : فإن المتعين هو ذكرها دون غيرها.
أما لفظ الجلالة ، فلأنه الإشارة الرئيسة للذات المقدسة تبارك وتعالى. فبسم الله أي باسم الذات. فلا بدّ من ذكر الذات أولا ثم التنزل إلى عالم الأسماء.
وأما الرحمن : فلأن رحمته وسعت كل شيء ، فهو اسم واسع بسعة الله أي إنه أوسع الأسماء على الإطلاق. وكل اسم آخر فهو أكثر محدودية منه أو مثله. ولا يمكن أن يكون أوسع منه.
فقد اختار الله سبحانه في البسملة بعد لفظ الجلالة أوسع الأسماء. مضافا إلى أنه تعبير عن الرحمة لا عن النقمة. ورحمته تقدمت على غضبه.
وبعد هذين الاسمين العامين ، ذكر اسما محدودا ، وهو الرحيم ، لأنه لم يبق إلّا الأسماء المحدودة ، فالرحيم لا يشمل جميع الخلق بل يشمل المحسنين فقط كما قال سبحانه (٢) : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
واختيار اسم الرحيم من الأسماء المحدودة ، لمزيتين :
المزية الأولى : مزية الرحمة لأهميتها وتقدمها على الغضب ، بل على الخلق كله ، لأن الخلق كله بالرحمة.
المزية الثانية : إنه أهم الأسماء في طريق التكامل ، فلا تكامل إلّا بالرحمة الخاصة.
__________________
(١) يعني لما ذا لم يقل : العليم السميع البصير ، مثلا.
(٢) الاعراف / ٥٦.