إلى من يكون الوحي؟ فهذا مجمل في الآية. ولعله إلى بعض الخلق العالي ، كجبرئيل أو غيره. وهذا في نفسه معنى محتمل.
وقوله تعالى : (بِأَنَّ رَبَّكَ). الباء يفيد التكلم. أي إن الأرض تحدث بوجود الوحي أو بسبب الوحي. أو أنها تزلزلت بسبب الوحي. إما امتثالا أو خشوعا. فيكون نحو اعتذار عن التزلزل. أو أنها يوحى لها وتحدث أخبارها بعد أن يتم التزلزل. وهكذا.
قال الطباطبائي في الميزان (١) : وقد اشتد الخلاف بينهم في معنى تحديث الأرض بالوحي. أهو بإعطاء الحياة والشعور للأرض الميتة حتى تخبر بما وقع فيها.
أقول : قال الفلاسفة : إن الجماد ليس ميتا. بهذا المعنى. بل يمكن سماعه وجوابه.
وقالوا أيضا : إن الصفات من العلم والقدرة والحياة ، هي من لوازم الوجود. فهي تتحقق بتحققه. وكلما كان الوجود أعلى ، وأهم وأشرف ، كانت هذه الصفات أوضح. وكلما كان أدنى كانت هذه الصفات أقل وأضعف ، حتى لا يكاد أن يكون مدركا لنا ، كما في الجمادات. إذن ، فالأرض بصفتها موجودة ، يمكن أن تسمع وأن تتحدث.
وأضاف الطباطبائي (٢) : أو يخلق صوت عندها ، وعدّ ذلك تكليما منها.
أقول : هذا بعد التنزل عن الرأي الأول. واعتبار الأرض ميتة ، ولكن صوتا ما يخلقه الله في أرجائها. ونوع هذا الصوت كالصوت الذي أوجده الله سبحانه في الشجرة لموسى عليهالسلام. وهو قوله (٣) : (يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ).
وقول الطباطبائي : وعد ذلك تكليما منها. يعني : أنها تحدث مجازا لا حقيقة.
__________________
(١) ج ٢٠ ، ص ٣٤٣.
(٢) المصدر والصفحة.
(٣) القصص / ٣٠.