الأولى : إنه لم يجعلهم كذلك بنحو الحقيقة. بل جعلهم كعصف مأكول ، أي مثل العصف ، والجثث المتناثرة ، ليست عصفا مأكولا ، بل كالعصف.
الثانية : إننا مع التنزل عن الوجه الأول ، يمكن أن نقول : فجعلهم عصفا مأكولا مجازا. ولكن تأتي مسألة حفظ النسق ووحدة السياق اللفظي. وهو مقتضى الحكمة والفصاحة.
سؤال : كيف نتصور العصف المأكول؟
جوابه : ما فهمه المفسرون ، بما فيهم صاحب الميزان ، من أنها جثث ساقطة على الأرض. ويؤيده النقل الخارجي التاريخي.
أقول : ولكن بذلك لم يحصل تقطع وعصف. ويجيب المشهور بأن التقطع حصل في الجيش ، باعتبار فشله وتقطع أفراده وهو نحو من التقطع المعنوي.
والذي أفهمه أكثر من ذلك : إن الجسد الواحد منها كأنه أصبح قطعا قطعا. كالشجرة الواحدة المتكسرة ، ويؤيده وصفه بالمأكول.
مضافا : إلى أننا لو فهمنا من العصف الأغصان المتكسرة ، كفى أن يكون كل واحد منهم قد انقطع إلى قطعتين أو أكثر. ولكن إذا فهمنا من العصف : الحب والنوى ، وهي صغيرة بطبيعة الحال ، فلا بد أن نتصورهم صاروا قطعا صغيرة ، وإن لم تكن بحجم الحنطة نفسها ، فإن التعبير مجازي على أي حال ، والمهم أن الجسم أصبح عشرات القطع فلا يرى هنالك جيش وجثث ، بل لحم متناثر.
هذا ، وللمأكول تقسيمان :
التقسيم الأول : المأكول حقيقة ، كما في حب الحنطة. والمأكول مجازا ، أي على شكل ما كان مأكولا.
التقسيم الثاني : المأكول فعلا ، وهو المطبوخ ، فيما يحتاج إلى الطبخ ، والمأكول اقتضاء. أي كونه قابلا للأكل.