خامسا : ما ذكره القاضي عبد الجبار قائلا (١) : أنه في أصل اللغة المشرك هو الكافر المخصوص الذي يتخذ مع الله شريكا ، لكن من جهة عرف الشرع أطلق ذلك على كل كافر كما عقل من قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ). ومن قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ). فلا يمتنع أن يفضل بينهما في بعض المواضع. وهذا كما يقال مثله في المسكين والفقير.
أقول : إلّا أن هذا الوجه بمجرده واضح الدفع ، لأنه لا يحتمل أن يكون بين الفقير والمسكين إلّا نسبة التساوي أو التباين. في حين أن الآية تجعل النسبة بين الكفار والمشركين العموم المطلق.
سؤال : إن قوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ) ، دالّ على أن بعض الكفار مشركون ، لا جميعهم. في حين أننا ينبغي أن نعرف أن جميعهم مشركون. فكيف الحال في ذلك؟
جوابه : من وجهين :
الوجه الأول : إن «من» ليست للتبعيض كما سبق. وإنما هي بيانية. ويكون المراد من السياق : التفصيل بعد الإجمال.
الوجه الثاني : إن الأمر يدور بين أن يكون ما قبل «من» ، مقسما ، إلى ما بعده ، كما هو المفهوم عادة ، وبين أن يكون ما بعدها مقسما إلى ما قبله. فلا يتعين المعنى المشهور الذي ابتنى عليه السؤال.
سؤال : ما هو المراد من قوله : منفكين؟
قال الراغب (٢) : الفك التفريج ، وفك الرهن تخليصه. وفك الرقبة عتقها. أقول : وكله بمعنى الفك والانفصال إما ماديا أو معنويا.
قال : وقوله : فك رقبة هو عتق المملوك. وقيل : بل هو عتق الإنسان نفسه من عذاب الله.
__________________
(١) تنزيه القرآن عن المطاعن ، ص ٤٧٢.
(٢) المفردات مادة : «فك».