هناك عدة أطروحات لفهم معنى الإذن.
الأولى : إن المراد بالإذن الوجوب والإلزام. يعني عدم المانع المقترن بالمقتضي والشرط. فهو بالمعنى الأعم على معنى الإمكان العام الشامل للإمكان والوجوب. فيكون الإذن هنا شاملا لمعنى الترخيص والإلزام. والحصة المرادة هنا خصوص الإلزام.
الثانية : إن الملائكة راغبون في النزول لأنه عملهم وعبادتهم. فإذا ارتفع المانع أثر المقتضي أثره بالنزول. وممّا يشعر بهذه الرغبة كونهم يستغفرون لمن في الأرض. كما تشير بعض الآيات الكريمة (١).
الثالثة : إن النازل ليس كل الملائكة بل بعضهم ، فمن الممكن أن تكون المسألة اختيارية لأفرادهم. وإن كان الأمر بنحو الوجوب الكفائي. فكل واحد منهم يشعر أنه ينزل برخصة لا بإلزام. وهذا يصدق بطبيعة الحال في عالم المحو والإثبات. وهو العالم الذي يحس به الملائكة ، كما نحسّ به. لا في عالم اللوح الأعلى.
فإن قلت : إن الملائكة مطلعون على كلا العالمين. باعتبار وجودهم في الملأ الأعلى. فيكونون مدركين للإلزام لا للإذن.
قلنا : كلا. إن الملائكة غير مطلعين على القضاء الحتمي. بل على عالم المحو والإثبات فقط. لأنه هو الخاص بعالم الكثرة ، وهو العالم الذي يحس به الملائكة والإنس والجن كلهم.
سؤال : ما معنى الأمر في قوله تعالى : (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)؟
جوابه : للأمر قسمان رئيسان هما : مفرد أوامر ومفرد أمور. وكل منهما ينقسم على ثلاثة أقسام :
القسم الرئيسي الأول : هو مفرد أوامر ، وهو بمعنى الطلب. وهو المعنى المشهور للمفسرين. وفيه ثلاثة أطروحات :
__________________
(١) قال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ). الشورى / ٥.