أحدهما : أن لا يقدر له مفعول ، بل يكون المراد الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خلق سواه. كما قال تعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ). في أحد الوجهين. وقولهم : فلان يعطي ويمنع ويصل ويقطع. أي بغض النظر عما يعطيه أو يمنعه. وهذا أمر عرفي لطيف.
الثاني : أن يكون مفعوله مضمرا تقديره الذي خلق كل شيء. ثم أفرد الإنسان (في خلق الثانية) بالذكر تشريفا له وتفضلا. انتهى كلام الرازي.
أقول : ويحتمل أيضا : أن يكون المراد من كلتا الكلمتين كلمة واحدة ، ومفعولها الإنسان. وإنما كررت لنكتة بلاغية أو أدبية أو سياقية مع حفظ السياق والروي والنسق ، وبدونها سيكون التعبير سمجا.
كما أنه يمكن أن تكون حكمة التكرار هو انقطاع الوحي انقطاعا مؤقتا ، كما ذكرنا في سورة الإيلاف ، فراجع.
سؤال : وقال الرازي أيضا (١) : فإن قيل : كيف قال تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) على الجمع ، ولم يقل : من علقة؟
جوابه : قلنا : لأن الإنسان في معنى الجمع بدليل قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ). والجمع إنما خلق من جمع علقة لا من علقة.
فإن قيل : هذا الجواب يردّه قوله تعالى (٢) : (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ).
قلنا : المراد : فإنا خلقنا أباكم من تراب. ثم خلقنا كل واحد من أولاده من نطفة. وقيل : إنما قال من علق. رعاية للفاصلة الأولى. وهي خلق. انتهى كلام الرازي.
__________________
(١) المصدر والصفحة.
(٢) الحج / ٥.