ثالثا : إننا ـ بهذه الطريقة ـ لا نكون ممن فسر القرآن برأيه لكي نهلك ، وإنما يكون ذلك لمن بتّ بالأمر وجزم بأحد الوجوه.
وأما إذا عرض الأمر في عدة أطروحات ومحتملات ، فقد أبرأ ذمته من الجواب وأرشد القارئ إلى الصواب. بدون أن يكون قد تورط في المضاعفات.
هذا ، وأعتقد أن الأعم الأغلب من أساليب هذا الكتاب هو مما اصطلحنا عليه بالأطروحة ، سواء سميناه فعلا ، خلال حديثنا هنالك بالأطروحة أم لا. فإذا قلنا مثلا : إن في جواب ذلك عدة وجوه أو محتملات أو مناقشات ، ففي الحقيقة يصلح كل وجه منها أن يكون أطروحة كافية في بيان الجواب.
ـ ٥ ـ
بقي لدينا الآن ضرورة تعريف الأطروحة ، وأنها ليست مجرد احتمال مهما كان حاله. ولكنها ذات أهمية معينة. وقد سبق في عدد من أبحاثي أن عرفتها بتعريفين منفصلين. كلاهما صادق ، إلّا أن الثاني أدق من الأول.
فقد عرفتها أولا : بأنها فكرة محتملة ، تعرض عادة فيما يتعذر البت فيه من المطالب ، ويحاول صاحبها أن يجمع حولها أكبر مقدار ممكن من القرائن والدلائل على صحتها. لكي يرجح بالتدريج على أنها الجواب الصحيح.
وعلى هذا ، لا يتعين أن تقع الأطروحة في مجال الجواب على سؤال ، بل يمكن أن يبيّن بها الفرد أي شيء يخطر في البال.
ولكن لا ينبغي أن ندعي أن كل المحتملات بالتالي تصلح أن تكون أطروحة بهذا المعنى ، بل ما يصلح لها ، هو ما يمكن للفرد تكثير القرائن على صحته وتجميع الدلائل على رجحانه. وإلّا لم يكن أطروحة ، بل